اياد شماسنة
بناء المؤسسات والتنمية البشريةshamasnah@gmail.com
____
ليسو جنودا مجهولين ، ولكنهم لم يتقنوا الوقوف امام الاضواء ، وجل ما عملوه انهم اتقنو ادوارهم ، محترفين صناعة الصبر والثبات ، ينتشرون من القطب الى القطب ،تحمل قلوبهم والسنتهم وجماجمهم من الثروة التي يطلق عليها اهل العلم مسمى راس المال الفكري ، ما يجعلهم كنوزا بذواتهم ، المرعب انهم مثل الماء ، اهون موجود ، واعز مفقود ، يمتلكون صلابة الصوان وهشاشة الزجاج ، ولهم قلوب لم تفسدها ملوثات الشره الاجتماعي ، ولم تصبها لعنات المناصب والسيطرة
الرواة الشعبيون ، الامهات الرائدات ، الرعاة ، الموظفون ، الجنود الذين يتمترسون خلف البندقية وامام الموت ، رجال ونساء واطفال ، لهم من المعرفة والخبرة ، والتجربة، والفكرة النبيلة ، ما تجعل احدهم يقفز من الصف الخلفي ليقدم فكرة نسف خط برليف بطريقة معجزة في الريادة والبساطة ، وهو الخط الذي قدرت الطاقة اللازمة لنسفه بقنبلة نووية
لا كتب تذكرهم ، ولا صحف تمجدهم ، ولا صور لهم في الصفحات الامامية او الخلفية ، حتى صفحة الوفيات تشكل لذويهم عبئا ماديا لاقامة نعي لاحدهم عندما يعبر بوابة التراب الى مجد السماء ، ورحمة الله العظيم، وربما سرقت امجادهم ، ونهبت اوراقهم نهب الزمن للاجساد المتعبة ، ولا من يذكرهم الا الاقربون المقربون
راس المال الفكري ، المصطلح الاكثر انصافا للثروة البشرية التي تحمل هذه الكنوز ، لا زال يتطور ويتحور ليمنح اطارا تنظيميا منطقيا ، ومنصفا لاناس يحملون الثروة في قلوبهم وعقولهم وفي اعصابهم و، وبامكانهم متى خلقت الظروف المناسبة ان يحولوا الطاقة الكامنة الى كنوز مبهرة الالق والالوان ، ولا نكون مبالغين ان الانسان هو بذاته كنز حتى لو كان شريرا ، او ملحدا ، والا فليقل لي قائل كيف يتحول عمر بن الخطاب من جبار في الجاهلية الى سيد العدالة الاجتماعية والسياسية في الاسلام ،الا اذا كان الاسلام قد استطاع ان يخلق البيئة الفكرية والتنظيمية والايمانية والنفسية التي فجرت كنوز عمر من اعماقها ، وعلى ذلك يجوز القياس لكل الاخرين
بعض الناس ابسط من ذلك ، طالب يذهب الى وادي السيليكون ، فيرى الكمبيوتر بحاجة الى ادوات معقدة للادخال ، فيسال ساخرا ان كان يستطيع بيده ان يامر الكمبيوتر ، لتكون فكرة الفارة الاليكترونية ، وفي نفس البيئة ، يبحث طالب عن كتاب الوجوه في جامعته ، لتتحالف الظروف وتولد فكرة موقع خارق للتواصل الاجتماعي ومليارات من الدولارات لم تستطع دول كثيرة تكديسها ، ليس بسبب الفقر ، بل بسبب تجاهل الكثير من الكنوز البشرية الكامنة
هناك ابسط من ذلك بكثير ،بسيط حتى الدهشة ، صبية تسافر الى بلد لا يعرفون فيه نوعا من الالبان ، فتبدا بتصنيعه من الحليب ، لتولد على يديها شركة كبرى للالبان ومشتقاتها ، وثروة هائلة ، وصدقة جارية الى يوم الدين
وبذلك فاننا في ظل التكديس الهائل للثروة الورقية والمعدنية ، والاستنزاف الجائر للمصادر الطبيعية ، وقتل مئات الالوف من الارواح جوعا وعطشا وطمعا بالمزيد ، نقف امام الله وامام الكون والطبيعة، ونشعر بالغباء، فالسيطرة سيطرة العقل ، والحرب حرب العقل ، والرغبة المسعورة رغبة في البقاء والتملك والسيطرة ، ولا اسهل من ارضائها عن بكرة ابيها بفكرة واحدة ،او مشروع ، وكم من هذه ما يوارى التراب ياسا واحباطا
اين كنوزنا البشرية التي تحررنا من ربقة العبودية والتبعية سياسية وثقافية ومالية ، وكيف ندعي اننا نسعى الى العدالة الاجتماعية والرخاء واعمار الارض ولا توجد من المحيط الى الخليج استراتيجية واحدة جادة وفعالة ومحترفة تحتضن هذه الكنوز ، تقشرها ، وتمجدها ، وتجد لها الماوى اللائق ، والقبر اللائق ، والا فمن اين جاء جمال عبد الناصر ، واسامة الباز ، واندرو غروف ، وام كلثوم ، وعبد الرحمن السديس ، اليس لؤلؤة بشرية قشرتها المعاناة وانضجتها اقوام تحسن استثمار ورعاية الكنوز البشرية لتبقى في الطليعة
الريادة والتنمية صنوان متلازمان لا يمكن ان يتحققا الا برعاية الكنوز البشريىة ، عضلية وفكرية وقلبية وغير ذلك ، ولا يمكن ان اصدق سياسيا واحدا يدعى المجد والشسير في ركاب التحديث ما لم ار عن يمينه وعن يساره كنوزنا البشرية تتالق بلا محسوبية ولا نفاق سياسي ، والا فكلهم كاذبون جميعا
تعليقات
إرسال تعليق