بقلم الباحث: أحمد أبو سرحان
قيل كثيرا أن الشعر ديوان العرب، وهو
بالتالي انعكاس حياتها، ومعيار ثقافتها، وحقل شعائرها وفروسيتها وشكواها وآلامها
وخسارتها، أول ما يقوله العربي هو قصيدة ، ثم يطور أي رد فعل يراه مناسبا على
الحوادث، وديوان الشعر حقل خصب ، يتكون من حقول فرعية متعددة ، يمكن من خلالها
تتبع الدلالات المختلفة التي اهتم بها الشاعر ووظف فيها شاعريته، شعريته، وثقافته،
وضمنها روحه الشعرية ورسالته التي يريد أن يقولها، في ديوان حدائق الكريستال
الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع عام
2015، للشاعر الفلسطيني اياد شماسنة ، مجموعة من حقول الدلالات، خصبة للتحليل،
غنية بالمعاني والصورة، ومفتوحة على التأويلات. سنختار منها عددا من الحقول
الرئيسية التي تنقسم إلى حقول فرعية ثانوية، كما يأتي :
أولا: حقل الأرض ودلالتها الشعرية
الأرض عند الشعراء والمفكرين والأدباء هي إحدى مكونات الهوية، وحاضنة
الوجود الجسدي الفيزيائي، ومكان الشعائر الدينية والروحية، وحتى ميدان الخرافات
والأساطير، هي الشاهد الأبدي على وجود الإنسان، حضارته، ، الأرض نقش التاريخ
المستمد من الماضي المنتقل إلى الحاضر والذاهب إلى المستقبل، الأرض الأم الحانية
على أولادها، والأرض الذكريات الجميلة التي ننسجها في عقولنا وقلوبنا، الأرض
الشهيد الذي يضحي بنفسه بماله بكل ما يملك لتبقى حرة أبية، الأرض أغنية الصباح
وترانيم المساء، الأرض التي مرَّ على ثراها الأنبياء الأرض هي فلسطين التي نموت
لأجلها وندفن في قلبها، الأرض التي من ترابها خلقنا وإلى ترابها نعود .
· الأرض ودلالة العشق
العشق
ميدان التضحية، والفداء، يضحي العاشق من اجل المعشوق، وقد كانت الأرض دائما معشوق
الشعراء بدءا من الأطلال التي وقف أسلافهم على أطلالها وتفننوا في وصفها باعتبارها
الرمز المكاني للوطن الأول، ثم إلى الأوطان الجامعة الصغيرة والوطن الكبير للأمة،
وها هو الشاعر شماسنة، في قصيدة "انا الفلسطيني" يعلن انه ثابت القلب لا
يخاف ولا يتردد أمام الصعوبات، لا يحجم وهو في أرضه، يحدد مقومات الهوية وخصائص
الشعب العاشق لأرضه الذي يضحي لأجلها، حيث انه عاشق للعشق، مهما كان جرحه جامحا
فانه لا يسلم ولا يستسلم، يقول في قصيدة أنا الفلسطيني صفحة( ) من ديوان حدائق الكريستال[1] :
ثابت القلب،
إذا أقدما
|
عرف الصّعب،
وما أحجما
|
يعشق العشق على
ألمٍ،
|
جامحُ الجرحِ
وما سلّما
|
قابض الكفّ على
جمرة
|
جعلته نارُها
أحزما
|
عشق الفلسطيني لأرضه يفوق كل عشق، هي ليست
فتاة يغازلها، بل ارض وتراب وأهل وأصحاب وقضية ومقدسات يفديها بمهجة روحه، فيحتمل
الصّعاب في سبيل حريتها واستقلالها، فالجمر في كفه لا ألم له ما دام الفلسطيني
يسير نحو هدفه المنشود في هذا الواقع المؤلم الذي يعيشه، ورغم وحدته أمام العدو
الغاشم، حيث يواجهه عدوه المدجج وحيدا أعزلا ، لكنه متيقن أن هذا المحتل رغم قوته
وعنجهيته إلّا أنه أعمى فاقد البصر والبصيرة وهو ثابت على عشقه الأبدي لهذه
المحبوبة الذي لا يخشى من أجل الدفاع عنه الموت فيقول من نفس القصيدة :
لبس الليل،
وأسرى، وقد
|
طاردَ الضوء
بطرد العمى
|
ويتابع القول :
أنا من أرض
فلسطين
|
لكني أسكن حدَّ
السّماء
|
خالدُ القلب، نقيَّ
الجنا
|
مغرمٌ بالأرض،
لو علقما
|
أراد الشاعر التعبير بالليل عن الواقع
المؤلم، وبالرغم من هذا الواقع إلّا أنّ الفلسطيني يتصف بالحيوية والعنفوان حيث
نجد ذلك في عبارة ( أسرى) التي تعنى المسير في الظلمة وما يحتاج ذلك من شجاعة
وعزيمة واستعداد، يحيلنا ذلك إلى لفظة الإسراء في الذهن الشعبي وارتباطها برحلة الإسراء
الدينية حيث يواسي رب العالمين نبيه برحلة إلى السماء في قمة المحنة التي تعرض لها
بعد العودة من الطائف وهذا يبشر بشمس الحرية، ويؤكد ذلك ما لهذه الكلمة من مدلولات تشي بالحيوية والعزيمة حيث يستمدها
من الأمل ويظهر هذا الأمل في عبارة ( الضوء ) الذي يطارد العتمة، ويطرد العمى.
· الأرض ودلالة الأمومة.
يقول الشاعر في قصيدة طقوس الوجد والتجلي
:
هاتي يديكِ؛
لكي يُقبلها فمي
|
كُرمى لمجدك،
يا بلاد الأنجمِ
|
يا حلوةً ذُقنا
الأسى بِفراقها
|
وعناقُها بعد
الأسى كالبلسمِ
|
فتدللي ما شئتِ
أو شاء الهوى
|
إنا افتدينا
فيك كل مُكرّمِ
|
وهنا نجد الشاعر يجسد الأرض شعرا، وكأنها أمٌّ
له يقبل يديها إرضاءً لها، معانقته لها
بلسم ودواء لآلامه وأحزانه التي يعانيها بسبب الظلم والقهر الواقع عليها، يدافع عنها وينشد الأمل بالحرية، وهو وحيد،
يجابه المحتل في الوقت الذي تخلى فيه من رفع شعارات التحرير عن هذا السبيل والهدف،
ويقول من نفس القصيدة :
وينير في
ظلماتها طّرق العلا
|
ويذود عنها في
السبيل المعتمِ
|
حتى يسير
القائلون بقوله
|
فيها، ويرتجع
الصدى الأعجمِ
|
يتسابقون إلى
حدودك عُزلا
|
لم يسألوا عن
مغنم أو مَغرمِ
|
فهي الأم التي يقدسونها، التي أرضعتهم
لبان العزة والكرامة، فلا مال ولا منصب ولا جاه يساوي يوم حرية لأرض فلسطين .
· الأرض ودلالة الذكريات الجميلة .
الذكريات الجميلة التي عاشها الفلسطيني على أرضه، وقد عبر عنها الشاعر في
قصيدة ( سيرة الوجع ) فيقول :
يلومني الناسُ
في ذكرى أُناديها
|
وأنشد الشعر،
في محراب ناديها
|
وكيف أنسى
زمانا كان يأخذني
|
إلى أعالي
الأماني في أعاليها ؟
|
وكيف أنسى
عيونا رُحت أعشقها
|
حتى نسيت دروبي
في شواطيها ؟
|
فرحت أجمع من
أكنافها دُررا
|
وأرتقي سبلا
مملوءةً تيها
|
أستحلف الليل ؛
لو يدري بما فعلت
|
أحبةً صار ليلُ
البعد يخفيها
|
ولا أبالي بمن
لاموا، ومن تسألوا
|
ما دام في
الليل لي نجوى أُناجيها
|
يُظهر الشاعر موقف المهجر والمشرد الفلسطيني من
وطنه فهو يحنُّ لذكراه الجميلة التي عاشها في ربوع فلسطين المتمثلة بجبالها
العالية وشطآنها الساحرة، ومشاتيها الدافئة ورفاق دربه، فنجده يخاطب الليل البارد
الذي نزع لذة النوم من عينيه في الغربة الموحشة، ويستحلفه ويناجيه عندما عجز
اللائمون والمعاتبون له عن فهم سبب شوقه وحنينه لبلاده، ونجد أن الشاعر يعبر عن
سرّ شوقه وحنينه لوطنه لما له من الذكريات ، والقصص التي عاشها على أرض فلسطين .
· الأرض ودلالة أدب المقاومة .
ينضم الشاعر إلى الرواد في أدب المقاومة ،
المؤسسين مثل عبد الكريم الكرمي، وإبراهيم طوقان وهارون هاشم رشيد ، ثم الجيل
الثاني منهم مثل محمود درويش وسميح القاسم واحمد دحبور وغيرهم، الأرض فالمقاومة
وهي التضحية والفداء، والمقاوم الشجاع الحكيم، وهنا يساهم الشاعر برؤيته الخاصة
للمقاوم وما هو عليه وما يجب أن يكون عليه، بوصفه بالكرم والحكمة وهو المقاتل
دفاعا عن الحرية وفي سبيلها وليس من اجل الموت وادم، وهذا ما عبر عنه الشاعر في قصيدة ( ارتجال )
الرجال حيث يقول :
الكلام اليتيم
؛ فيكِ يتيمُ
|
يا فلسطين،
والكريمُ كريمُ
|
فيك قامَ
الزَّمان من غفوة الدهر
|
وفي راحتيك
تغنى الخصوم
|
تقف الشّمس
للرّجال إذا قاموا
|
وفيهم مقاتلٌ
وحكيمُ
|
يحملون القلوب
تصدح بالعشق
|
ويمضون
والزّمان مقيمُ
|
فالأرض مقاومة وفداء، وعلى الأرض مقاتلٌ
يحمل السلاح بشجاعة ويقود بحكمة، وكل من يرى المقاومة يقف لها احتراما لها، ويزحفون
نحو الموت عشقا، ويمضون في الزمان نجوما ساطعة، فالأرض أدب وحكمة ومقاتل يعلو
شانها، ومع ذلك مازال المقاتلون من اجل
الحرية يحملون قلوبا تصدح بالعشق حتى تقف الشمس لهم كما وقف ليوشع بن نون، وفي ذلك
إحالة، وتناص ديني أسطوري مع قصة قديمة في العهد القديم، وقد بقيت الشمس واقفة وبقي النبي يقاتل حتى
انتصر .
ثانيا : حقل الأنثى .
عند التأمل في قصائد الشاعر نجده تحدث عن الأنثى ( المرأة ) أو النصف الآخر
للرجل من خلال محاور متعددة فالأنثى هي الطفلة، وهي الحبيبة التي يعشقها الشاعر، وهي
الوفاء والإخلاص، وهي ارض الوطن، وهي الأنثى الملهمة للشعر وكتابته، كما أنها
الأم و الطفلة والحبيبة والزوجة والأخت، هي الأمن والأمان، هي الاستقرار
والطمأنينة .لقد وظف الشاعر الفلسطيني الأنثى خير تمثيل فأبدع .
· الأنثى ودلالة الطفولة :
وتمثل ذلك في قول الشاعر من قصيدة ( أميرتي بيلسان )، وهي الابنة الوحيدة
للشاعر[2] :
لي طفلة أشتاقُ
قُبلتها ؛ كما
|
أشتاق سحرَ
الضوء في ألق النّدى
|
تدنو، وتمنحني
عذوبة ثغرها
|
وأنا على شغفي
أُحلق في المدى
|
ويذوب في روحي
الهدوء بكفها
|
لما تردّدَ في الجبين
مُهدْهِدا
|
المرأة منذ طفولتها عند الشاعر هي السكن والأمان، فرغم شعور الرجل بالإباء
والعزة أمام أقرانه من الرجال إلا أنه أمام المرأة الطفلة يتصرف هو كطفل بريء يجثو
على ركبتيه ويتمدد، ويلهو ويعترف بفضلها عليه ودورها في هدايته إلى سبيل الهدى والرشاد
.
· الأنثى ودلالة الإلهام والإبداع .
وأيضا نلاحظ أن الشاعر يرى في المرأة دلالة للإلهام والإبداع والتجديد
الشعري فنراه في قصيدة ( الأميرة الجالسة ) يقول :
أنا قلبٌ متيم
بالغواني
|
والمغاني، وكلّ
وردٍ ودفلى
|
لم أزل منذ أن
تكوّن قلبي
|
حائر اللّحن
بين ليلٍ وليلى
|
والغوايات في
دمي أجتليها
|
بحروفي ؛ فأجعل
الحبر حقلا
|
وأنا خالدٌ
بعينيك، أشتاق
|
قليلا، فأغزل
الشعر غزلا
|
أبدًا تقلب
المقادير حتى
|
يصبح اللون
بالجمال أجلّا
|
ملما، تصنع
المراحل في
|
الفنّ ما بين
مستحيل وأحلى
|
خبأت سرنا الجميل
عصورا
|
في بيان يكاد
ينطق جزلا
|
فالشاعر قلب يعشق، يمضي ليله يخاطب ليلى
التي ألهمته معاني الحب والعشق والغرام، يبحث عن الخلود والجمال وسر الحياة من خلال
عشقه للمرأة المبدعة الملهمة، المرأة هي الوحي والإلهام التي استثارت قريحة الشاعر
لكتابة الشعر وللبحث عن الإبداع في كل ما يراه ويعشقه .
· الأنثى ودلالة الوفاء والإخلاص .
المرأة الزوجة، المرأة المخلصة الوفية، وهو الالتزام الأخلاقي والنفسي
بالشريك، رغم السفر والأعاصير والمتاعب، يذكر الشاعر أن له عند الشطان حبيب، يحفظه
في قلبه، ويحفظ الإخلاص له شوق الرجوع إليه،
الملاحون في القديم هم أكثر الناس مغامرة لما يواجهون من غدر البحر وتقلب
الأحوال وقراصنة الغياهب البحرية، يغيبون وقد لا يرجعون، وعندما يرجعون يرجعهم الإخلاص
وشوق الرجوع، تختصر الرموز في الأنثى التي تنتصر أيضا بكامل أناقة إخلاصها.
، فالشاعر في هذا المقام يقول من قصيدة (
الملّاح ) :
سفينتي في
ارتجاف الموج مبحرة
|
كمهجتي في صقيع
السهد والأرق
|
في قبضة الريح
أرخي كل أشرعتي
|
والبحر لازال
مجنونا على الأفق
|
يا قلب صبرا
فإن الرياح باردة
|
وما تبقّى سوى
الأنفاس من رمقي
|
لنا حبيب لدى الشّطّان
يحفظه
|
شوق الرجوع،
ووعد بالوفاء تقي
|
وقد تشاغلنا
الدنيا، فتشغلنا
|
عن السؤال، ولا
ندري بمن نثق
|
المرأة باستلامها زمام القيادة داخل
المنزل وشؤون الأولاد لا تقل مكانة عن مهمة ربان السفينة الذي يعبر بسفينته عباب
الموج، ويتحدى المهمات الصعاب، والذي سيعود في نهاية مهمة إلى منزله يدفعه في ذلك
شوقه وحنينه للزوجة الوفية المخلصة .
ثالثا : حقل الغربة .
· الغربة ودلالة الهموم النفسية.
إن الغربة كمفهوم يظهره الشاعر ملازما
لطبيعة الإنسان الفلسطيني؛ فلا تُذكر فلسطين إلا والغربة مرادفات له، من حيث ضياع
ارضه وفقدانه الحرية التي يعشقها، والصعوبات التي يواجهها في سفره حتى بين اخوانه
العرب والمسلمين، دائما تتزاحم عليه المصاعب ويجد نفسه غريبا حتى في وطنه، في ظل
غياب أفق لنهاية الاحتلال، يقول الشاعر شماسنة في قصيدة ( كتاب الليل ) :
أقبل الليل واستفاق
الحنين
|
وترامت لدى
العيون السّنين
|
مثقلات بوطئهنّ
صبورا
|
وعلى بأسهن سيق
الجنون
|
هادمات من
الزّحام قصورا
|
من خيال،
تقيمهنّ الظنون
|
أقبل الليل
واستراحت عيون
|
حين تشقى مع
الليالي عيون
|
يترنّحن بالرؤى
حالمات
|
أن يفي وعده
الزّمان الخؤون
|
يشير الشاعر من خلال مفهوم الغربة إلى
مدلولات جديدة منها كثرة الهموم والآلام الثقيلة، وكأنه شيء يحمله الشاعر على
كاهله، لذلك هو يتألم ولا يجد لذة النوم، ولا يشعر براحة بال في ليله فالحنين
يدفعه دفعا إلى التفكير العميق، مثقلا بالهموم التي هي عناوين لمشكلاته الصعبة وقضاياه
الكبيرة، لا يجد راحته منها إلا في اليل، حيث غربته الصديقة التي يسر بها لما لها
من اثر في عزله عن الهموم الكبار عندما يسهر مع ذكرياته الجميلة أو تستريح عينه
فينام .
· الغربة ودلالة الغربة داخل الوطن .
فالغريب عن أهله داخل وطنه وكأنه في سجن جداره الخوف والرعب، ومن هذه
الفكرة يتطور مدلول الغربة ليشير الشاعر إلى معاناة الأسرى في سجون الاحتلال فبرغم
كونها فوق ثرى الوطن إلا أنهم يشعرون بالغربة المحرقة، لأن المحتل يسلبهم حريتهم
في كل شيء، وفي أبسط حقوق الحياة، ولكن الفلسطيني بفطرته وارتجاله سينتصر على هذا
الألم والقهر وفي هذا المحور يقول الشاعر من قصيدة ( سيد الشوك والندى) :
وفي ديارك سجنٌ
حوله أبدا
|
سجنٌ، وعن
جانبيه الموت والرّعب
|
هذا المقام
مقام الصابرين، ولا
|
مقام إلّا لهم
من حيث ما هبّوا
|
أخجلت زخرفهم
للقول إذا طمعوا
|
وهمًا بأنّ
المنايا أقبلت تحبو
|
كأنك النّسر في
أعلى معارجه
|
وقد مضت تتلاشى
حوله السحب
|
وفي عيونك توق
للحياة، ومن
|
زنديك صحبٌ إذا
ما قصّر الصّحب
|
ولكن بالرغم من هذه الغربة الموحشة داخل السجون المظلمة يرسم الشاعر صورة
الأسير الفلسطيني وكأنه نسر يحلق في أعالي السماء، فهو بذلك يفتح نافذة للأمل
المنشود بالحرية والتخلص من غربة الزنزانة .
· الغربة ودلالة الحيرة والاضطراب .
للغربة دلالات كثيرة، فهي اضطراب وقلق
وخوف، خوف من المستقبل المجهول، وخاصة الإنسان الفلسطيني فهو مشرد وغريب في بلاد
لم يفكر يوما بأنه سيصلها، ويستقر فيها، فكانت الغربة ملاصقة للفلسطيني في حله
وترحاله، فها هو شاعرنا يقول من قصيدة ( الحائر ) :
أبحث عنك في
وجوه البشر
|
يا سيّدي، وفي
ارتعاش المطر
|
وعدتّني وعد
تقيِّ زمنًا
|
أن لا تدعني
لسوادِ الفكرِ
|
خذ بيدي يا
سيدي فإنني
|
أشتاق ان أبلغ
حدَّ القمرِ
|
في العشق قلبي
هائمٌ وأنا
|
أهوى وأجهل
الذي في القدر
|
خذ بيدي، يا
سيدي، فربما
|
أعود في يديك
كالمنتصرِ
|
يُظهر الشاعر الغربة بمفهوم جديد، وهي أن
من يشعر بالحيرة والاضطراب والقلق والخوف، فهو غريب دائم البحث عن الحقيقة والوصول
إلى الهدف المنشود، ومعرفة الذات، فهو يبحث عن ذاته في قدوة حسنة، ومرة في الفكر
والاعتقاد، وتارة أخرى في العشق، وقد يبحث في المستقبل والمصير المجهول، لكنه يعلن
في نهاية قصيدته أنه بحاجة لمساعد ومعين يأخذ بيده، ويرشده إلى طريق الصواب ليحقق
النصر المرجو ألا وهو تحديد الهدف في هذه الحياة، وهذه الحيرة والقلق الذي أشار
إليه الشاعر في قصيدته ( الحائر)
رابعا دلالة اللون .
لأن اللون مكون طبيعي أساسي في حياتنا ، وحقيقة
لا يمكن الاستغناء عنه ، أو تصور الكون دونه ، فمنطقي أن يحضر اللون حضورا صريحا ،
ويوظف توظيفا مباشر ، وسنرى صورة الألوان ودلالاتها منسجمة وحضورها في الطبيعة [3].
• اللون
ودلالة الأمل ..
أشار الشاعر في عدة قصائد إلى اللون مستمدا منه دلالات وإيحاءات تعبّر عن فكره
ومنهجه في الحياة ، فاللون الفضي ملازم للأمل ووضوح الطريق والهدف .
فيقول الشاعر معبرا عن ذلك عندما استخدم
هذا اللون كعنوان لقصيدته التي عنوانها ( الدّرب الفضي ) ، ويقول فيها :
بنا حاجة
لامتشاق الطّريق
|
إلى أوّل
الدّرب ، من حيث جئنا
|
نفتش عن كائنٍ،
كان فينا
|
قديما ، كطفل
يطارد جنًّا
|
فنرجع للماء ،
نشرق بالتّعب
|
المستميت ، إذا
ما عطشنا
|
وقمنا على
الشوك ، نمشي حفاةً
|
ونقطف من بأسه
، حيث قمنا
|
· وقد استخدم الشاعر اللون الأسود دلالة على
السكن والهدوء والطمأنينة وقد أشار إلى هذا المدلول كقوله من قصيدة الدّرب الفضي :
إذا أقبل الليل
، ننشر سرًّا
|
قديما ، ونطوي
، مع الفجر، حزنا
|
· وكذلك يشير الليل إلى كثرة الهموم
والأحزان وذلك في قوله من قصيدة كتاب الليل :
أقبل الليل ،
واستفاق الحنين
|
وترامت لدى
العيون السنين
|
· كذلك أشار الشاعر إلى دلالة اللون الأبيض
بمدلولات مختلفة فنرى الشاعر يقدم الصباح كدلالة على اللون الأبيض ويشير الشاعر من
خلاله إلى الأمل والنشاط والحيوية ويظهر في قوله من قصيدة الدّرب الفضي :
بنا حاجة أن
نضم الصّباح
|
وفيض النّدى ،
والظّلال ، إلينا
|
واستخدم الشاعر كذلك اللون الأحمر ويشير من خلاله إلى كثرة التضحيات
والفداء والشهادة في سبيل الوطن ، وقد دلل عليه بكلمة الدماء في قوله من قصيدة
نشيد الدم :
· اللون الذهبي الخصال الحميدة
استخدم الشاعر اللون الذهبي وهو أجمل
الألوان دلالة، جعله عنوانا لأحدى قصائده، وقد منحه مجموعة من الدلالات، فجعله صفة ملازمة
للخصال الحميدة كالكرم، والهمة العالية، والإرادة والعزيمة التي لا تلين، فضلا عن
الطموح والمنهج والذهب الخاص به في هذه الحياة ,عبر الشاعر عن هذا المعنى في قصيدة
الذهبي التي يقول فيها :
أنا يا سيدتي رجل كريم
|
يطارد حلمه في كل ساح
|
على همم كبار ليس تخبو
|
وعزم مستقيم كالرماح
|
ولي طرقٌ أسير بها
مسيري
|
وأبلغ ما أشاء من
النّواحي
|
أنا الذهبي ، لا أشتد
إلا
|
لصبر أو دفاع أو كفاح
|
تعليقات
إرسال تعليق