التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مع جوهر إبراهيم في أقحوان الروح



مع جوهر إبراهيم في أقحوان الروح

(قراءة في يوميات إبراهيم جوهر)
يقول الناشط  والصحفي الكردي "بولات جان" أن اليوميات هي الضيف الدائم في دفاتر الأنصار والثوار مهما كان مستواهم النضالي. ويؤكد أن فن اليوميات لا يمكن مقارنته مع أي نوع أدبي آخر؛ لقربها منا وتداخلها منهجيا وجدليا في تفاصيل حياتنا ، وبالتالي فإنها أكثر شمولية من المذكرات الشخصية التي تتوقف في لحظة ما لاسترجاع الماضي، حيث أن اليوميات بما تدونه من أحداث تترك فينا أثرا أو في محيطنا، اقرب إلى مفاصل الوجع والفرح من المذكرات التي نمارس الاسترجاع؛ لاستعادتها بعد مرورنا بالتجربة وخلاصنا.
يسجل الكاتب والأديب المقدسي إبراهيم جوهر يومياته متخذا دور ذاكرة المكان التي تسجل التفاصيل وتبوح أولا بأول على سطور الورق، فيمارس دوره بقلمه كشاهد أمين، ثم كناقد اجتماعي غير متحيز ولا مهادن، ثم فنان يركز على القضايا التي تؤرقه، ثم متبصر، يعيد اكتشاف الايجابيات، الدفء، المناطق الشفافة في العلاقات، فيذكرنا بالخير الذي لا يزال متبقيا في زمن الاشتباك، الاختلاط، أو ربما الضياع.
في كتابه الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية في 240 صفحة من القطع المتوسط، بعنوان "يوميات مقدسية: يوميات الأرض والإنسان" وغلاف أنيق من تصميم خالد عبد الهادي عام 2014، يتبع إبراهيم جوهر أسلوب الومضات في سرد يوميات كنموذج يتميز به عبر الصفحات عمن سبقه بتدوين اليوميات ، وذلك في طرح قضايا ، مواقف، أحداث، حوارات، ملاحظات، مما يصلح عند تركيبه في لوحات متكاملة أن يكون سيرة مدينة  غنية بالتفاصيل، ثرية بالمعنى والصراع، مكتظة بالإنسانيات وغيرها بدءا من الحمامة ودالية العنب، والورد، ذهابا إلى المسجد الأقصى، من خلال القضية الفلسطينية كإطار عام وخاص، والمشروع النضالي دون تسميته، والمشروع \الطموح الثقافي بانجازاته الفردية أو على مستوى الجماعات الصغيرة، وإخفاقاته المؤسسية
رغم ومضاته السريعة، وبساطة التعبير الذي يقدمه جوهر بإتقان، إلا أن لغته متماسكة ، قوية ، هادئة ، حيث يجب أن تكون، نارية حين تستدعيها النار، فتتناول يومياته الفترة الزمنية من 23 شباط  عبورا حتى 30 من نيسان  لعام 2013 بما يغطي 68 يومية تطوف في جغرافيا  تبدأ من جبل المكبر  ذهابه إلى المدرسة التي يعمل فيها ببيت صفافا  ثم إلى الشيخ سعد، فالمدينة  المقدسة  فالحكواتي حيث ندوة اليوم السابع مرورا إلى شارع صلاح الدين ومدينة رام الله أو بيت لحم وبيت ساحور، كما ويكون الكتاب معجما مرجعيا هاما لأسماء بسيطة لكنها مؤثرة ، وأسماء كبيرة مؤثرة أو غير مؤثرة، وربما استرجع من ذاكرته أيضا ما يربط به الأحداث، فيقارن الماضي بالحاضر والشباب بالكهولة، وما كنا عليه إلى ما وصلنا إليه
 في الكتاب الأنيق  تظهر جوانب كثيرة من شخصية إبراهيم جوهر الغنية " بأنواتها" المتعددة المتحالفة في ذاته الكبرى: المثقف، البسيط، الحكيم، المتبصر، المرشد، الناقد، الأديب، مما يمنح اليوميات حراكا وزخما إنسانيا  حافلا بالتعابير والعاطفة جنبا إلى جنب مع الحكمة ، لكن ما يميز إبراهيم عم سبقوه  في كتابة اليوميات  انه لا يكتفي بكونه شاهدا ومدونا بل هو شريك، مشارك فاعل أساسي ، لذلك فهو يستخلص العبر ويستخدم مبضع الجراح ويشير بشجاعة وجرأة، دون مجاملة أو تزييف لم نعهدها في إبراهيم ، حتى انه يكاد يتمثل بسميه  الخليل وهو يهدم الأصنام واحدا بعد الآخر ويشير بإصبع إلى كبيرهم ويقول "(قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ  )وإبراهيم هو ابن المدينة التي اعتبرها في عنوان سابق لليوميات ذهب بحبره المحرر" أقحوانة الروح" دون الرجوع إلى الكاتب الذي وضع بين الصفحات أقحوان عينيه وروحه كرامة لاقحوانة الروح
يوميات إيراهيم جوهر الأديب المقدسي إثراء للمكتبة الفلسطينية كما  كتب الأديب الشيخ جميل السلحوت، وهي نموذج تأسيسي خصب ولود  يمكن الاستفادة منه والبناء عليه  سواء بقلم الكاتب أو مريديه، والقضايا التي طرحها  بدءا من ابسطها إلى القضايا المصيرية  والمحاور الكبرى، لأنها قريبة من الشارع والقلب والإنسان وناطقة باسم الطرقات والأرصفة والأشجار، وهي من جوهر إبراهيم الذي يقدم للمدينة ولاقحوانة الروح ما يليق بكونه أديبها البار والشاهر عليها

الروائي والشاعر \اياد شماسنة
14\5\2014

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موسم النبي روبين في جنوب فلسطين بلدة ومقام النبي روبين عام 1935

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

الأولى   فنون حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان  2018-08-01 10:00:00 المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان إياد شماسنة كاتب وشاعر من فلسطين  "أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض. عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن ال...

رحلة ايفا شتال الى فلسطين عبر مخيم تل الزعتر

" حدود المنفى " (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر) جوتنبرج 14.01.19 أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 "لقاءات"، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين) . لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال . نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: "هذه هي حياتنا" "هذا هو الاحتلال" أو "هذه هي إسرائيل "...