اياد شماسنة : شاعلر وروائي
منذ تأسيسها عقب اتفاقيات أوسلو عام 1993، شكلت السلطة الوطنية الفلسطينية إطارًا إداريًا وسياسيًا كان يهدف إلى بناء أسس دولة فلسطينية مستقلة. ورغم الانتقادات الكثيرة التي وُجهت للسلطة، سواء بسبب أدائها أو طبيعة نشأتها كنتاج لاتفاق مرحلي، فإن غيابها أو انهيارها يفتح الباب أمام سيناريو كارثي: الفوضى العارمة التي لا تخدم سوى أعداء المشروع الوطني الفلسطيني.
السلطة الفلسطينية ليست مجرد هيكل إداري، بل هي مركز توازن هش يحفظ نوعًا من الاستقرار في الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم الانقسام السياسي. بوجودها، يمكن الحديث عن منظومة تحكم حركة الحياة اليومية للفلسطينيين، من تقديم الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، إلى إدارة الاقتصاد وضبط الأمن الداخلي. هذه الأدوار تجعلها ركيزة مركزية في الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في مجتمع يعاني من الاحتلال والانقسام الداخلي.
إن البديل الذي يمكن تصوره في حال انهيار السلطة ليس قيام كيان سياسي أكثر كفاءة، بل حالة من الفوضى التي ستؤدي إلى فراغ سياسي وإداري. في هذا السيناريو، تتنافس الفصائل والقوى المختلفة لملء الفراغ، مما يعزز النزاعات الداخلية ويضعف القدرة الفلسطينية على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. الفوضى ليست مجرد نظرية؛ فقد شهد الفلسطينيون تجارب قريبة في غزة عقب أحداث عام 2007، حين انهارت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، وتحول القطاع إلى ساحة مفتوحة للصراع بين الفصائل.
انهيار السلطة يعني أيضًا انهيار المؤسسات التي تُعتبر ركيزة بناء الدولة الفلسطينية المستقبلية. من دون مؤسسات فاعلة، يصبح الحديث عن مشروع وطني موحد مجرد شعار فارغ. إضافة إلى ذلك، فإن غياب السلطة يضع الفلسطينيين في مواجهة مباشرة مع الفوضى ، وكل من له مارب واطماع وغايات سيستغل حالة الفوضى لتكريس سيطرته على الأرض والمقدرات الفلسطينية، .
بالإضافة إلى الفوضى الداخلية، يؤدي غياب السلطة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بشكل كارثي. تعتمد مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة على شبكات إدارية واقتصادية تنظمها السلطة الفلسطينية، وغياب هذه الشبكات يعني تفكك البنية الاجتماعية، وازدياد معدلات الفقر والبطالة، وتصاعد اليأس في صفوف الشباب، مما يفتح الباب أمام موجات من الهجرة أو اللجوء إلى الجماعات المتطرفة.
يدرك المجتمع الدولي أهمية السلطة كعامل استقرار، حتى وإن كانت هناك انتقادات لدورها. ففي نهاية المطاف، تمثل السلطة شريكًا قانونيا يمكن التفاوض معه أو التفاهم على قضايا مرحلية. أما الفوضى، فلا يمكن السيطرة عليها، وتؤدي إلى تصاعد العنف وعدم الاستقرار في المنطقة بأكملها. ولهذا السبب، نجد أن الدعوات لإنقاذ السلطة تأتي حتى من أطراف دولية وإقليمية ترى في استمرارها ضرورة للحفاظ على نوع من التوازن.
لا يعني الدفاع عن وجود السلطة الفلسطينية تجاهل عيوبها أو الانتقادات الموجهة إليها، بل إن هذا الدفاع ينبع من الإدراك بأن البديل الواقعي ليس أفضل، بل أسوأ بكثير. يمكن إصلاح السلطة، ويمكن إعادة بناء الثقة بين القيادة والشعب، ويمكن تعزيز الديمقراطية والمساءلة داخلها، لكن انهيارها لن يؤدي إلى أي من ذلك، بل سيفتح أبواب جحيم الفوضى على مصراعيه.
لذلك، فإن الحفاظ على السلطة الفلسطينية ليس مجرد مصلحة فئوية أو خيارًا سياسيًا، بل هو ضرورة وطنية. فالبديل الوحيد الذي يلوح في الأفق في حال غيابها هو الفوضى، ولا شيء غير الفوضى
تعليقات
إرسال تعليق