التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إبراهيم جوهر في روايته "أهل الجبل"



إبراهيم جوهر في روايته "أهل الجبل"
يكتب عن بطولة الفكرة
قراءة: إياد شماسنة
لا يحدث كثيرا أن تحظى بقراءة عمل أدبي تتمتع فيه بالدهشة، ورغم أن كاتبه لا يزال يطرح الأسئلة منذ البداية حتى السطر الأخير، دون أن تصاب برغبة  في الاتصال بالكاتب؛ لمعرفة ماذا يريد، إلا إذا كانت الرواية تجمع بين البساطة والثراء، وبين القيمة المعرفية العليا والوضوح، مثل رواية أهل الجبل .
تقع رواية إبراهيم جوهر، الصادرة  عن دار فضاءات للنشر والتوزيع عام 2014 في 162 صفحة من القطع المتوسط، بغلاف جميل للفنان محمد رباط من السعودية، هي رواية الأسئلة بامتياز، أسئلة الهوية والأصالة  والاتجاهات، حيث لا يوجد فيها أبطال رئيسيون كبار، يلعبون الحدث الدرامي، ولا شخصيات مساعدة، لكن فيها رموز بشرية بدلالات تشير إلى "أهل الجبل"كرمز للأصالة والهوية، التي حافظ عليها أهلها. بل من المدهش أن الرواية بكاملها ليست رواية أشخاص، والصراع فيها ليس صراع ذو طابع بشري؛ بل هي رواية فكرة بامتياز، وفى هذه الفكرة تُطرح الأسئلة وتجيب عليها الشخصيات؛ عبر حركتها وتفاعلها مع الأشياء والجغرافيا والتحولات التي أصابت كل شيء. وهنا يتميز إبراهيم جوهر في طرحه المتكامل داخل العمل الأدبي.
المكان هو جنوب فلسطين ابتداءً، كما يشير اسم الرواية، والجبل هو جبل الخليل، بما يحتمل المسمى من جغرافيا ومن شموخ وصمود وثبات وتحمل، ومن قسوة العيش والظروف وتقلبات المناخ، وعصف الظروف، وتلون أهله بألوانه؛ وقد أكلوا من ترابه وشربوا من سمائه ثم ينتقل المكان، أو يتمدد، إلى رام الله، التي وقعت في المقارنة بين المدينة الأصيلة وبين المدينة البديلة؛ التي فقدت الكثير من تراثها وشكلها، لصالح حداثة مفترضة؛ لكي تواكب التحولات المتوقعة منها، والتي جاءت مع التحول السياسي في مكانتها. وهنا؛ تنعقد مقارنة، غير مباشرة، بين الأصالة والبراءة، وفطرة الجبل من جهة وبين المدينة الهلامية بهويتها وشكلها وقيمها من جهة أخرى.
ربما يقسو جوهر على رام الله، ويتحيز إلى الجبل، فيرفع "أم علي"، الشخصية التي نستطيع أن نعاتبه على بقائها كائنًا رمزيًا "شبحيا"، ويذهب بفتاة رام الله إلى درك أدنى لا يمكن تعميمه، كما لا يمكن تعميم نموذج أم علي. لكن جوهر-الروائي يشير، في النهاية، إلى مشكلة أساسها الفكرة، التي تقول: إن تحولات كبرى  تصيبنا، وهناك أسرار يجب إدراكها، وان تركناها تتحكم بنا؛ فلن تتركنا على المسار الذي يتناسب مع تاريخنا وهويتنا، أو طموحنا ومستقبلنا.
الزمان واضح في رواية أهل الجبل، ويتحدد بشكل دقيق في رمضان/ 2014 وما حوله، وهو قصير جدًا؛ ليستوعب التحولات الكبرى التي ترصدها لغة "جوهر" الخاصة التي يتميز بها، والتي تتجلى واضحة في الجمل القصيرة، وفي التساؤلات الدقيقة.
يلجأ "جوهر"، في روايته، إلى العديد من الرموز المتحولة في معناها ودلالتها بدءًا من أجنحة مبنى التلفزيون في الجبل، فهي وان كانت معمارًا إلا أنها ذات دلالات، وكذلك "أم علي" التي لا زالت رمزا أكثر منها شخصية محورية، وإن ظلت كرتونية الصفات؛ أي أنها لم تتطور كشخصية في الرواية، بل بقيت ثابتة طيلة العمل الأدبي.
من الرموز أيضًا الأسد الجنوبي، الذي كان فُخّارًا هشًا أثناء ذهابه مع صاحبه إلى رام الله، وفي خاطره الوقوف بين أسود رام الله الصخرية، وعندما صدمته التحولات وصقلته التجربة عاد من صخر ، مع أن أسود رام الله كانت منذ البداية من صخر وبقيت رغم التحولات.
حوار "جوهر" بين شخصياته عفوي، متناغم مع سياق العمل، إلا انه سريع ومختصر، تتجلى فيه خبرة الكاتب في الإيجاز الذي لا يترك غموضا رغم قدرته الواضحة على الإسهاب عندما يريد أن يسهب، لكن الملاحظ انه جعل الحوار متناسبا مع طبيعة الفكرة موضوع الرواية والأسئلة التي أثارها.
إبراهيم جوهر كاتب يحسن السرد، ويعرف حق الرواية عليه، وهو لا يكتب للتسلية أو المتعة، لأنه مهموم بقضايا جوهرية، ومهتم بطرح أسئلة، وإثارة تساؤلات عن الماضي والحاضر؛ بشكل يستطيع معه التأسيس لاتجاه المستقبل، لا يجامل شخصياته، ولا يحشرها في رغباته، بل يكونها ثم يتركها تعيش أدوارها. كثير من شخصياته واقعية، تمامًا، وربما يستطيع القارئ العثور على أسماء لها رصيدها من الحقيقة من أهل الجبل، مما يدل على اطلاع "جوهر" وعلاقاته، ومدى اقترابه من الفكرة/ البطل في الرواية.
أهل الجبل، رواية واقعية "معرفية" بامتياز. وربما سيحسب لإبراهيم جوهر، في يوم من الأيام، أنه أحد رواد الواقعية المعرفية؛ التي تقدم إسهاما معرفيا عبر طرح الأسئلة الذكية، وإثارة الدهشة، وخلخلة الراكد من القضايا إضافة إلى نفض الغبار والأوهام.

10/10/2014م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موسم النبي روبين في جنوب فلسطين بلدة ومقام النبي روبين عام 1935

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

الأولى   فنون حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان  2018-08-01 10:00:00 المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان إياد شماسنة كاتب وشاعر من فلسطين  "أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض. عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن ال...

رحلة ايفا شتال الى فلسطين عبر مخيم تل الزعتر

" حدود المنفى " (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر) جوتنبرج 14.01.19 أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 "لقاءات"، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين) . لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال . نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: "هذه هي حياتنا" "هذا هو الاحتلال" أو "هذه هي إسرائيل "...