متلازمة #محمود_درويش
نحن نقرأ محمود درويش منذ كنا صغارا، نحفظ قصائده، لاحقنا تسجيلاته، وعندما افتتح المدرج الجنوبي في مدينة جرش، والذي كان مغلقا لألفي عام؛ تزاحمنا على الابواب. وذهبنا نسمعه، طلبوا منه ان يقرأ "سجل أنا عربي" فرفض، ثم استجاب بعد الحاح الناس، فقرأ " أحن الى خبز أمي" وغيّر من مفرداتها، كنا نسمع مارسيل يغنيها، وكأنها له وتعجبنا كيف جعل درويش" إلها تصير ملاكا". وعندما سعنا القصائد العظيمة لدرويش وقفنا نفكر، عدنا الى تجربة درويش منذ كان في الأرض المحتلة وحبه للمجندة الاسرائيلية كما كتب في شؤون فلسطينية بشجاعة، ثم خروجه ومروره بكل التجارب والمنعطفات. عرفت بعد ذلك ان الناشرين جمعوا قصائد درويش دون اذنه ونشروها غير منقحه وحرموه فرصة المراجعة. بعد ذلك حذف الشاعر من اعماله الكاملة قصائد أخرى، وعرفت انه تخلى عن ثلاثة دواوين من الاعمال الاولى
احد اصدقاء الشاعر قال لي انه كان بحذف اكثر مما يكتب، وبهذا يصح أن درويش لو قُدِّر له ان يراجع اعماله وامهله الوقت لتخلى اكثر عن أعمال ربما نعتبرها عظيمة لكن العظيم لم بعد يعتبرها كذلك، وكذلك فعل الشعراء العظام من قبل ومنهم أبو الطيب المتنبي.
أخبرني اديب مقدسي انه حضر امسية لمحمود درويش في جامعة بيرزيت، وقد سمع أحد الاساتذة في الادب يسأل محاوره" هل فهمت شيئا" قال “لا" قال له" لكنك تصفق له" اجاب الاخر" بدك تفضحنا معه"!
هذا الحوار يدل على ما كان درويش يحذرنا منه ويقول" ارحمونا من هذا الحب القاسي" الحب الذي يقسو لدرجة تجريم نقد درويش وجعل مداهنيه حزبا في الادب، رفع نصوص باسمه وسحق نصوص اخرى، واستمرار لجم الأفواه باسم درويش بينما دارسوه يبحثون عن درره وفرائده التي لا يروج الاعلام ولا ينتبه له
ارحمونا وارحموا درويش من الحب القاسي
متلازمة درويش خطيرة جدا، تجعل من نصوص لم يكن لها تلك المكنة العبقرية مثالا على العظمة، ويبنى قياسا عليها نصوص أخرى، ويقول القائل "طيب ما درويش بيقول هيك"، وتقتضي المتلازمة سحق اعمال عظمى لم تكن وفق المنهج الدرويشي، ما اريد قوله، ان الشاعر الكبير ابدع صعودا، بمعنى انه بدأ الابداع من اوله، أنجز وأخطأ وتعلم، حذف ، نقّح، واستمر يحاول ويجرب ويطور، واستمر ،حتى رحيله مبدعا، يعرف خطورة الحب القاسي ويحذر منه، لا ترفا ولا استعراضا وانما معرفة يقينية صادقة بخطورة ذلك عليه وعلى الأدب. ولذلك نستمر بعده ونبني، لا نقلده، لأنه فريد جدا، لا ننتقص منه، لكننا ندرسه بأدواته، وقد كان ناقد ومنظرا عظيما بجانب كونه شاعرا
اياد شماسنة
تعليقات
إرسال تعليق