اياد شماسنة[1]
عبد الوهاب المسيري، مفكر،
وعالم اجتماعي مصري، إسلامي، اشتهر بأنه مؤلف موسوعة: اليهود واليهودية والصهيونية،
من مواليد دمنهور (1938م-2008م) له العشرات من الدراسات والمقالات والكتب عن
اليهود، وإسرائيل والحركة الصهيونية، إضافة إلى عضويته في مجلس أمناء
العديد من المؤسسات العلمية.
يقع كتاب"من هو اليهودي" في 116 صفحة
من القطع المتوسط، وهو من إصدار دار الشروق المصرية عام 1997م، بين يدينا الطبعة
الثالثة الصادرة عام 2003م. يعتبر فيه المسيري أن تعريف اليهودي مسألة أساسية هامة
للعقد الاجتماعي الصهيوني، لأن الدولة الإسرائيلية (العبرية) تبحث عن شرعية
يهودية، وبالتالي فإن الفشل في التعريف يضعف من قدرتها التعبوية ويضرب أسطورة
الشرعية في الصميم. ومن أجل ذلك يفرق الكاتب بين الهوية والشخصية اليهودية، حيث أن
الأولى مجموعة من الصفات الجوهرية الثابتة تجمع الأشخاص، بينما الأخرى سمات جوهرية
تميز المجموعة عن غيرها من الجماعات البشرية.
ومن أجل الوصول إلى إجابات
علمية؛ يؤكد
الكاتب أنه ينبغي الابتعاد عن التقييم المتعسف والحكم المطلق، أو التسرع في الاستنتاج،
لأن خصائص مجموعة ما في زمان ومكان تختلف عنها في باقي حقب التاريخ، كما أن تاريخ
اليهود بالذات طويل ومركب، بالتالي فإن هناك هويات وشخصيات يهودية، ولا يوجد لهم جسم
واحد جامع شامل.
يقول المسيري إن اليهود
عندما يصلون إلى إسرائيل فإنه يتضح أنهم ليسو مجرد يهود؛ وبذلك يتنكر المغاربة
لهويتهم العربية ويزعمون أنهم فرنسيون، ليقبع اليهود الشرقيون (السفارديم) في آخر
درجات السلم الاجتماعي، بينما يصبح يهود روسيا اشكنازا، ويرتقون في السلم
الاجتماعي.
ويعدد المسيري في الكتاب أنواع ومراحل تطور
الهوية اليهودية بدءا من الهوية العبرانية، ثم العبرانية اليهودية، ثم مرحلة
الانقسام بين الرومان والفرس، وبين بابل وفلسطين، ثم الهلينية والتخلي عن
اليهودية، ثم اليهودية العربية الإسلامية، ثم اليهودية المسيحية، ثم اليهودية
الصهيونية، واليهودية غير اليهودية، وغير اليهودية اليهودية. كما ويعدد جغرافيا
التوزيع اليهودي ويفرق بين خصائص كل منها من (الخرز في القوقاز، والفلاشاه في إثيوبيا،
والكايفنج في الصين، ثم يهود مانيبور، اليهود الأكراد، يهود جورجيا، يهود الجبال،
يهود جبال الأطلس البربر،يهود المارنوا، يهود الدونمة وغيرهم).
يذكر الكتاب أن التعريف
الشرعي لليهودي ظهر في العصور الوسطى، وقد استمد من "التلمود". ويقرر أن
اليهودي هو الذي ولد من أم يهودية، أو من اعتنق الشعائر والطقوس اليهودية، مؤمنا بالديانة
"اليهودية". وقد ظل هذا التعريف مرجعيا حتى بدايات القرن التاسع عشر، وبذلك
تم تسكين العنصر القومي و تحويله إلى تطلع ديني.
الاشكالية في تعريف
اليهودي:
تكمن الإشكالية في التعريف
التلمودي وتطبيقه الذي يعتبر اليهودي المولود بأنه يهودي وإن لم يمارس الشريعة أو
يطبقها، بينما يشترط على المتهود أن يمارس جميع التعاليم ليكون يهوديا بالمعنى
الديني، كما أن طقوس تهويد النساء شرعيا تثير إشكالية، حيث تشترط الشريعة أن تستحم
المرأة المتهوِّدَة عارية أمام ثلاثة حاخامات لتثبت يهوديتها.
ومن الجدير بالذكر أن
الفيلسوف سبينوزا هو أول يهودي يعلن عن تخليه عن اليهودية دون أن يعتنق دينا آخر
ويظل ملحدا. وفي هذا السياق ظهرت مشكلة اليهود المارانوا الذين اعتنقوا المسيحية
للاحتفاظ بممتلكاتهم فضعف انتماؤهم لليهودية، وهناك اليهود الذين اعتنقوا الإسلام
علنا من أتباع شبتاي تسفي، وأبقوا على يهوديتهم سرا، بينما يقول الحاخامات أن
اليهودي الذي اضطر الى اعتناق دين آخر يظل يهوديا. وكان الفقه اليهودي أيام موسى
بن ميمون يرى أن اعتناق الإسلام ليس شركا، بخلاف التنصر الذي عده شرك.
في المرحلة العلمانية من التاريخ اليهودي، ظهرت الإصلاحية
والتنوير والحركة التجديدية، ولم تعترف بها الأرثوذوكسية ، ولا بمعتنقيها، ولا
فرقها، أو أتباعها أو حاخاماتها. وانتشرت بعدها نزعات الشك الديني، وظهرت اليهودية
الإثنية في الولايات المتحدة وروسيا و أوكرانيا وغيرها، وهي مصطلح يطلق على اليهود
الذين لا يؤمنون بالعقيدة اليهودية، لكنهم يمارسون شعائرها وأعيادها كفلكلور فقط.
كما وظهرت اليهودية الإنسانية التي لا تستند إلى
الإيمان بالشريعة بل الى القيم الإنسانية العامة، إضافة الى ظهور جماعة اليهود من
أجل المسيح، وهم الذين اعتنقوا المسيحية واعتبروا أن عيسى بن مريم عليه السلام هو المشاياح
اليهودي، دون أن يعترفوا ببنوته للرب حسب القول المسيحي. ومن الجدير بالذكر ان كل
هؤلاء يعتبرون أنفسهم يهودا. وفي هذا السياق يقول آفي بيكر محرر التقارير في
المؤتمر اليهودي أن الانفصال بين الأرثوذكس والعلمانيين خلق شعبين يهوديين لا
يتفاعلان.
الهوية اليهودية الجديدة:
يؤكد د عبد الوهاب المسيري
أن يهود العالم الغربي قد خضعوا لعميلة ضخمة من العلمنة والتحديث، العلمانية التي
تدور حول المنفعة واللذة، والإنسان الطبيعي (الاقتصادي والجسماني)، وتحكم على
الفرد على أساس كفاءته ونفقته وتكيفه مع قيم المجتمعات، حيث ولاؤه نحو الدولة
وخدمة مصلحتها، وهو قادر على البيع والشراء والبحث عن اللذة وتعظيم الإنتاج والإشباع
والقتال عندما يطلب منه ذلك. وتشهد الهوية العلمانية الجديدة تراجع العقيدة وعدم
الاكتراث بها، وتجاهل المقدسات والغيبيات، وبذلك تكونت مجتمعات حداثية لا ترى في
اليهودي قاتلا للمسيح ولا ترى اليهود باعتبارهم الشعب الشاهد أو المختار، هذه المجتمعات
وإن كانت المسيحية أساسا فيها، لكنها لا تكترث بالشعائر والطقوس الدينية، وإنما
ترى في الكريسماس مناسبة اجتماعية للذة والترف والإنفاق وموسما للإشباع، وتعتبر
الولايات المتحدة عاصمة العلمانية العالمية، ويشكل اليهود فيها 90% من يهود العالم،
وهم جمهور الصهيونية وعمودها الفقري، ويؤثرون في صنع القرار الأمريكي، ويوصفون باليهود
الجدد، لغتهم الأم هي الانجليزية.
لقد بهرتهم العلمانية؛
فجعلتهم يعرفون موتسارت وجاكسون اكثر من موسى بن ميمون، ويتفاعلون مع ثقافة إسرائيل
باعتبارها ثقافة أجنبية مع بعض الحنين إلى اليهودية، ويكثر فيهم الزواج المختلط
الذي أدى إلى تأكل الهوية اليهودية، ويؤكد المسيري أن اليهود الجدد لم يعودوا
يشكلون كتلة اقتصادية مستقلة في المجتمعات الغربية، وليس لهم هرم وظيفي مستقل،
لذلك لا يمكن الحديث عن رأسمالية يهودية، بل أمريكية أو انجليزية تدعم إسرائيل أو
اليهود. ويفسر الكاتب نسبة اليهود المهمين في الولايات المتحدة المرتفعة؛ بأن
اليهود باعتبارهم أقلية يتسمون بقدر من الحركية أعلى من بقية أفراد المجتمع، وبذلك
يسارعون إلى اغتنام الفرص المتاحة، وبذلك لم يعد جيتوات مقصورة على اليهود، وانتهى
عهد التكتلات وبدأ التشتت والذوبان في النسيج الاجتماعي العلماني. ويضيف أن توجهات
يهود العالم الغربي ومن ضمنها التأييد لإسرائيل لا يختلف عن الأنماط السائدة في
تلك المجتمعات خلاف بعض الفروقات الصغيرة .
وتقوم المؤسسة الصهيونية
دوما بمحاولة تعميق إحساس اليهود بالمؤامرات، وتؤكد على الإبادة في التاريخ اليهودي
والترهيب منها لتعميق الهوية نظرا لغياب أي مضمون ايجابي للهوية، فكان البديل
اختراع هوية جديدة محشوة بالخوف من الهلاك: لتشكل البدل المعلن، وهو إما انتماء
صهيوني متشنج، وينقسم إلى صهيونية استيطانية تهاجر إلى إسرائيل وتقيم في
مستوطناتها، وصهيونية توطينية تقدم المعونات والتبرعات والاغاثات لليهود في إسرائيل.
ومع ذلك بقي معدل هجرات اليهود من أمريكا بالذات ومن الدول الأولى منخفضا جدا، مع
بقاء الانتماء الروحي إلى أرض الآباء(كما يزعمون)، وبذلك ظهر نموذج من الانتماء
السطحي الصهيوني اللامع الذي يدفع التبرعات لإسرائيل وفي باطنه علماني بعكس اليهود
المارانوا الذين يعلنون العلمانية ويخفون الانتماء اليهودي الذي يتلاشى تدريجيا.
الإنسان العبري الجديد
يعرفه المسيري بأنه يهودي
كاره ليهوديته، يود إلغاء الوجود اليهودي في العالم ليحل محله نمط إنساني طبيعي
بدون شذوذ أو طفيلية، وذلك خلاف اليهودي غير اليهودي الذي يدعي اليهودية ويتفاخر
بها، هذا المدعي حياته خالية من أي مضمون يهودي، لكنه يسعى إلى إبراز جوانب حياته
التي يتصور أنها يهودية.
إدعاء اليهودية: غير
اليهودي اليهودي
ظاهرة حديثة بدأت مع إعلان
إسرائيل كدولة يعود إليها اليهود من الشتات وفق قانون العودة اليهودي، ثم بروز
الامتيازات والتسهيلات التي تمنح للمهاجرين، وقد ازدهر هذا الاتجاه في الاتحاد السوفييتي
المتهالك ثم انتقل الى الى الفلاشاة موراه ( وهم قبائل يهودية تنصرت قبل قرنين )
ثم أخذ الاتجاه شكلا حادا في قبائل أسيوية وافريقية زعمت أنها من نسل القبائل
العشرة المفقودة من بني إسرائيل، وهنا يبرز مأزق المحكمة الإسرائيلية العليا التي
اعتبرت أن اليهودي من يرى بأنه كذلك إضافة إلى التعريف التلمودي، وردا على ذلك
تعالت أصوات تطالب بإلغاء قانون العودة.
قضية القومية
كان اليهود عبر تاريخهم في جماعات وظيفية" مرابون
وتجار " قامت بينهم الروابط على هذا الاساس، مما خلق وهما بأنهم مترابطون
متجانسون وأن لهم وحدة قومية، أو مرجعية كونية واحدة، كما ساهمت عزلتهم وعدم
اندماجهم في تعزيز الصورة، ثم رسخت الكنيسة هذه العزلة بسبب دعوى قتل المسيح.
هذا وقد مرت محاولات تكريس القومية اليهودية بعدة
مراحل كما ياتي:
· المحاولة الاولى : الهوية اليديشية في مقاطعة
بيرويمان حيث أمكن التحول إلى جمهورية مستقلة لو تمت الهجرة اليها، لكن النازيون
قضوا عليها، وهاجر اليهود بعدها الى الولايات المتحدة.
· المحاولة الثانية: الحل الصهيوني، وبعض دعاته
علمانيون، وبعضهم يرى أن الدين والقومية شيء واحد، واخرون يرون اليهودية قومية دينية. ومن المهم
الذكر أن الصهاينة يرون أن مجمل هويات المنفى هي انحرافات عن مسار التاريخ اليهودي للشعب.
وبعد نشوء إسرائيل أصبح هناك أكثر من تعريف
لليهودية والقومية اليهودية، كما يلي:
· التعريف العرقي: وهي مسألة تتعلق بالدم حيث أصبح
الصهاينة يتحدثون عن الجنس اليهودي كجنس مميز ، وقالوا أن الزواج المختلط يؤدي إلى
تدهور العرق اليهودي، وبناء على ذلك لا بد من تأسيس وطن قومي لليهود، وهو تعريف لم
يعد مقبولا فتم التخلي عنه.
·
التعريف
الاثني التراثي: ويعتبر اليهود جماعة مترابطة يربط بينها الدين اليهودي، ويعتبر أن
الشعب اليهودي بذاته هو مصدر الشرعية.
· التعريف الديني : ويعتبر أن مصدر شرعية الدولة هو
الحلول الإلهي في الشعب، ويعتبر أن هوية اليهود مصدرها الدين اليهودي، ويرفض كافة التعريفات
السابقة، ويقول بأن اليهود أمة مقدسة، لها علاقتها الخاصة مع الرب، ومن الملاحظ أن
هناك اندماج بين الجانب الإثني التراثي وبين الجانب الديني.
أهمية السؤال عن ما هو اليهودي:
ينشا عن الاجابة على سؤال تعريف من هو اليهودي
امتيازات قانونية ومكتسبات حقوقية لليهودي في اسرائيل وفق قانون العودة، كما أن
هناك مؤسسات ممولة من يهود الخارج تساعد اليهود فقط مثل الصندوق القومي اليهودي، بينما
ما نزال قادرين على تحديد أن التعريف الصهيوني لليهودية بأنه الأساس النظري للممارسات
العنصرية ضد العرب
خلاصة الكتاب
يخلص المسيري إلى أن اليهودي لم يعد يهوديًا؛ حيث
أن انتماءه لليهودية أصبح مجرد إنتماء عرقي إثني تاريخي وليس ديني، ويفسر دور
العلمنة في محو الأصول العقيدية لليهودية عن اليهود وذوبانهم في المجتمعات التي
يقطنوها، وكيف أصبح هناك يهود شرق اوروبا ويهود أمريكا.
كما وكشف
الكاتب عن يهودية امريكا و امريكا اليهودية، والعلاقة بين امريكا واسرائيل. ويستنتج بأنه لايوجد تعريف محدد للهوية
اليهودية، فكل طائفة تعرف اليهودية بشكل مختلف عن الأخرى، كاليهود الأرثوذكس و
اليهود الإصلاحيين أو المحافظين.
وقد اضاء الكتاب شعلة في نفق مظلم ما زال يرى
اليهود كيانا عالميا له مرجعية واحدة مستمرة منذ يعقوب عليه السلام وحتى قيام
الساعة، ويعتبر طرحا جريئا علميا موضوعيا، ينبغي أن يبنى
عليه.
تعليقات
إرسال تعليق