التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قراءة في ديوان التاريخ السري لفارس الغبار

قراءة في ديوان

التاريخ السري لفارس الغبار للشاعر المقدسي إياد شماسنة
بقلم : خولة سالم العواودة 

صدر الديوان أعلاه عن دار فضاءات للنشر والتوزيع – عمان عام 2012 ، تحت رقم إيداع 3553/9/2011 ، وتصميم غلاف الفنان : نضال جمهور . بحيث يطل علينا الشاعر من خلاله عبر ثلاثة وثلاثون زهرة شعرية مخملية الطابع أصيلة العنوان، وأنت تجوب بصحبة قلمه الغزير حكمة، وتألق تعبر مساحات ممتدة من العراقة والأصالة والتاريخ .
ربما أراد الشاعر بأن يعرج على تاريخ الصحراء فاختار فارس الغبار ليكون رمزها ، وغاص في النفس العربية الاصيلة ليكشف سر امتطاء الجواد في صحراء يلفها الغبار،،،  أينما تحرك الفارس بقوة على صهوة جواده ، ربما أراد أن ينقلنا فكراً وروحاً لأمجاد أبت أن تكون إلا سراً دفيناً في نفس كل أصيل.
ففي قصيدته الاولى التي يفتتح فيها مملكته من الشعر الموزون العبق ص(11) وهي بعنوان "سيد الماء والنار" يقول :
"يسائلني من أكون رجال
 
وما يعلمون حدود اقتداري
  
واني ، وان يعرف الناس قدري
 
أحاول أن لا أطيل افتخاري
  
أنا سيد الماء والنار ، يا سادة
 
الأرض ، والشعر مائي وناري
  
وأطلقت حلمي ، إلى حافة الكون
 
يصطاد نجما بكل مدار "
  

بداية تشعرك بدخول مملكة جمال الحرف والإبداع ، فتواصل دون تردد اكتشاف المزيد من جواهر الكلم وحسن النظم ، وسمو الفكر.
يودعك بكل سهولة ويسر بين الغزل بعذرية واقتدار
يكتب للمرأة الأجمل ، للجدة ، حيث تستشعر في قصيدة "امرأة بطعم الفصول"  طعم الجدة ورونق حضورها فيقول :ص(15)
" غرستنا في اشتباك العمر اشتالا
 
فصرنا شجراً ينطق عزما
  
جدتي تعلم أن العمر حقٌ
 
فأعدت لشتاء العمر غيماً
  
منحتها الأرض من أسرارها
 
ما عجزت عنه دروب الفهم فهماً
  
 "
ولجمال الغزل في ديوان الشاعر رونق خاص ففي قصيدة "أراك جنة ، أراك الضحى ،،، يغرقك في جمال الحضور وبهاء الحرف ص(20) فيقول:
"ولي من حضورك هيبة قلب ،
 
ولي من جمالك سحر الجلال
  
"وبي نشوة تترامى ولي لهفة ،
 
تتسامى على كل حال
  



صور شعرية غاية في الرونق والغزل عذب المذاق ،،، كأنك تقرأ غزلاً عذريا صافيا ،،، رائق الطعم ،،، مستساغ الشراب، وفي القصيدة التي تليها ايضا تحت عنوان "عشق مثل الطيران يواصل تجليه في ذات السياق فيقول ص(21) :
""وأسرج الرغبة القصوى إليك وفي،
 
قلبي حكايات شوق دونها الشغف
  
وقد اسميك شمساً تاجها ألق
 
وقد أناديك بحرا عقده صدف"
  

رقة وعذوبة حرف وجمال صورة ، كأنه يسير بك الهوينى؛ لينقلك للوطن الذي يسكن جوارحه وأحاسيسه فيقول في قصيدة "تحولات في خطاب الوطن " ص(25) فيقول :
يا حزنه ! كيف يطوي الأرض متقدا
 
يا سيفه ! كيف شق الصخر منفردا
  
يا طيبه ! كيف غض الجرح معتذراً
 
عن الدموع ، وكيف اجتاحها غرداً
  
و
كأن عينيك لم تحفل بمن سقطوا
 
وان قلبك لم يحزن لمن فقدا
  

يبكي الوطن يرجوه أن يتلطف بمن سقط شهيدا ، ومن عانى كثرة الفقد ، ما أجملها من قصيدة تجسد وجعه بالوطن، ثم يواصل تمنياته بغد أجمل فيقول في قصيدة اخرى بعنوان "إحداثيات الشغف والجرأة" ص(29)
ليتني استطيع أن أخطف
 
     النجمة من فلكها ، وأعلو عليا
  
أمتطي صهوة من النور ، تجري
 
بي حيث لست اعرف شيا
  
و
  
أترك اللاهثين خلفي وألقي
 
قدمي حيثما انتهى ناظريا
  

  

يواصل بكاء الوطن الحزين في "تفاصيل عصر الجليد" ، و"لأني أحبك" ، بحيث تقرأ الوطن الجريح بين حروفه ونظمه غاية في الجمال وسعة الاطلاع ومعرفة بأصول قضيته ومآلها .
ولا ينسى أن لأخيه العربي الأصيل في حرفه حق عليه فينشد تحت عنوان "أخي العربي"  ص(37)
"أخي العربي ، اشتياقي إليك
 
من القلب يصعد صوب السما
  
من الفجر ، يولد كالضوء ،
 
لكنه وفي الهجير نما وسما
  
تشب له زهرات الحدائق
 
أعناقها باسمات اللمى
  

صورة ولا أجمل، لفكرة أجل وأسمى.
يعاني الفراق فيدمع حزنا فيكتب قصيدة تقطر أسى تحت عنوان  "ارتجال امام سيدة الكلمات " لتعكس مفارقة حلم جميل ، ولا عودة .
يكتب للقدس ، وللقدس في عيونه نظرة اخرى فيكتبها بقصيدة من أجمل ما قرات " الذاكرة الاخرى للمكان "  ص(45)
اغني ، فينداح صوتي ، ويرجعني
 
نحو صدرك رجع الصدى
  
وتملكني رعشة تخلع
 
الحزن، والصدر يعرفه موقدا
  
وتنثرني نسمة منك فوق
 
الدروب العتاق وفوق المدى
  
أغنيك ارضا ، وقدسا ، ومجدا   
 
سليبا وقوما قضوا سجدا"
  
...
 للقدس في كلماته العذبة الكثير والقدس تستحق .
يعود يكتب للحب "سر الضحى " لحظات عشق صادق يعانق السماء ويرسم الاحلام معانقا شمس.
في قصيدة " ذئاب " يعود للوطن الجريح باكيا بحرقة ،،، واصفا واقعا اليما يغشى الوطن فيقول ص(53)

"يا سيد الوطن الملقى بلا سبل
 
نحو النهابات ، أطلقنا إلى الأعلى
  
ومن ضلالتنا أطلق هدايتنا
 
إذا تفاضل من أهدى ومن ضلا
  
إنا ، وان عظمت فينا مظالمنا
 
لنطلب النور: عند الفجر أو قبلا
  
يا يد النور أرشدنا، فقد عصفت
 
بنا العواصف، واستحلى من استحلى "
  

يواصل الكتابة على ذات درب العشق الجميل فيكتب "هذا تأويل قلبي" كدعوة للحياة مع الامل وجمال رؤيا الحياة مع الحب فيقول ص(58)
"مثابر في اجتثاث اليأس من فكري
 
مقاتل لانتزاع الشوك من طرقي
  
وغايتي ومضة في الأفق ساطعة ،
 
الله أبدعها كالمشرق الفلق"،،،
  

ثم يكتب للشهيد وللشهيد عنده حضور وتألق ففي قصيدة بعنوان "تنويعات على مقام الشهادة"  ص(61)
"أيها الشاهد في كل الحكايات
 
أيها الحاضر في كل الروايات
  
يا شهيدا شهدت أضلاعه
 
انه من قتلت في الرصاصات "
  

صورة غاية في الجمال يرسمها برونق السمو للشهيد فتموت الرصاصات من هيبته ،،، ما أجمله من بيت وما اعذبها من صورة.
ويكتب"اعترافات محب سابق"، وما أجمله من اعتراف ص(65) ثم " ثورة الألق " جمال حرف باذخ بلا شك .
ويعود للوطن ثانية بقصيدتين "فرسان وأقنعة " وقصيدة "الرواية غير المقدسة للعشاء الأخير " فيكتب لفلسطين يؤرخ لمجد لا ينتهي مهما عصفت به الرياح فيقول ص(77)
"حملت فلسطين مصلوبة فوق
 
نفسي ، أطوف بها حاضري بعد أمسي
  
متوجة بالقلوب على الأسر ،
 
طاحنة بالهوى كل بؤس"
  

ما أجملها فلسطين وتاجها وخضابها وهي العروس دون عرس ، أبدع لفلسطين ومنحها الدلال الذي تستحق ،،، تكاد تكون الأجمل بين قصائد القدس على الاطلاق .
ثم يعود للصحراء يرسمها جمالا يفوق كل وصف ،،، فهنا النبل والشرف والخلق وجمال الوطن ،،، فيكتب للوطن المستباح رغما عنا ،،، فيقول ص(81)
يا أيها العربي المستباح دما
 
بين العواصم ، لا ثأر ولا نقم
  
يا أيها الوطن المصلوب من قدم
 
بين القبائل ، والثارات تضطرم
  
وكذلك.....
  
والزيت أسود ، من بؤس الذين مضوا
 
واللؤلؤ النضر من عبرات من كتموا
  
فأيهم تغفو الصحراء غايته
 
وأيهم رحموا من بعد ما رحموا...."
  

قصيدة الرجال ،،، نظرة لإعادة معنى الرجولة ، فيها الكثير من المعاني القيمة والقيم النبيلة ،
فيقول في مطلعها ص(87) :
أيها العابرون ، رغم حدود القهر
 
والعهر، والأسى ، والشتات
  
أيها السائرون للفجر سعيا
 
رغم انف الدجى ، ورغم السبات "
  

أرى فيها مناجاة للرجال الرجال الذين يواجهون صروف القهر والجور والظلم مثابرين لا متخاذلين ،،،
جميلة بقيمها ،،، كما قصيدة "اعتناق الحرية" فيها دعوة صادقة لفهم الحياة فيقول ص(91)
: "أعيش كما أهوى ، واحيا كما أرى
 
واصنع ما يرضي من الحق ربي
  

قصيدة المحراب جميلة جدا كأني به يعود ثانية للقدس ، حيث قدسيتها تسكن شعره أينما حل فيقول ص(99)
"طرقت بابك ، والمحراب يحترق
 
يا ربنا ، وسيوف القوم تمتشق
  
أنا الغريب بأرض، كنت اعرفها
 
حتى تلون في أعطافها الأفق
  
انأ المقيم بأرض قمت احرسها
 
حتى تكدر في آفاقها الشفق
  

يصف ما حل بالقدس ومسجدها حتى ان الشفق تكدر من شدة الظلم الذي لحق بها.
ويعود في "تقاسيم الصوت والألم" لوجع الوطن ثانية، توسل وطلب من الله ان يرحم شعبنا المكلوم بالغرباء فيقول ص(107) "
جاؤوا بأوثانهم صماء
 
تلملم الطين من ماض، ومن قدم
  
يستجمعون على أنقاضنا أمما
 
ويدعون بها مجدا لدى الأمم "
  

ويعاود الحديث عن الوطن الجريح فيقول في قصيدة "اللحن الأخير من مقام الألم" فيقول ص(111)
"يا موطنا ، بين حقل الشوك والمنفى
 
شواطئ الروح ، لا رمل ولا مرفا
  
أقوم فيك، وفي قلبي مجالسه
 
من الجليل إلى يافا إلى حيفا
  
فالعمر فيك جميلات مراحله
 
والموت أجمل من أن يبلغ الوصفا"
  

ويتابع الى نهاية القصيدة ملحمة تاريخية تصف التشرد والنزوح ولكنه في النهاية يجدد الامل فيقول :
"أنا البشير بأن النور منتشر
 
حتى السماء رفوفا بعدما رفا
  

وفي قصيدة اخرى بعنوان "بيان صادر للوطن " يناجي الوطن الممتد من الازل ليبقى موطنا أشم وإننا في عشقك نبذل الغالي والرخيص فيقول ص(116)
"إنا عشقناك نورا في ضمائرنا
 
وقد فديناك بالأرواح والمقل"
  

ويكتب للصديق اعتذارا راقيا فيقول:
  
" حنانيك ، لو أني أتيت بزلة
 
فمثلي خطاء، ومثلك يصفح "
  
كما يكتب للأمير الصغير برقة وعذوبة فيقول :
" بني ، تبسم ، فبسمة عينيك
 
ورد ، وفل ، ومسك ، وعنبر
  
وأجمل منها تورد خديك
 
كالأرجوان البهي المعطر
  
 "
ويعود يكتب القدس ثانية في بهاء وجمال لا مثيل له في قصيدة "العاصمة المقدسة " فيقول ص(121)
"مهيبة ، مثل وجه أمي
 
بهية مثل فجر يومي
  
تقية ، في جلال طهر
 
كطهر صوم بعيد صوم"
  

كما يتغنى بالقدس أحيانا ، يبكي ضياعها أحايين أخرى، يفتقد "القائد الذي ترجل" بقصيدة مطلعها:
"وداعا، ومن حزن الرجال قوافل
 
لها في صدور الشامتين معاول
  
وفي الصمت إجلال، وفي القلب
 
كما احترقت تحت الهجر السنابل
  
....
  
فوالدهم ، ان يتمتهم قواصم
 
اذا أجمعت ان المعادي فاضل
  
فوالدهم ، ان ضيعتهم مجامع
 
وأنت لهم بعد الشتات العوائل
  

ويكتب للعشق في "موقف العاشقين " فيقول : .
"أفتش عنك سنينا ترامت
 
فأصبحن دونك عمر اليباب
  
على أمل أن يعود الزمان
 
زمانا ويطوى الجوى بالجواب
  
 "
وفي قصيدة "النبيل" إطلالة أخرى على رونق فكر جميل فيقول ص(133) :
"ما كان ، كان ، وما وجدت بديلا
 
إني صبرت على جفاك طويلا
  
لملمت دمعي واحتسيت هزيمتي
 
واخترت موتي في هواك رحيلا
  
...
  
جاولت جاهدة ان اطل على كل خميلة بفكرة موجزة كي أقدم للقاريء نبذة عن كل الخمائل ،،، لعلي أكون قد وفقت في قراءتي المتواضعة ،،، لا انكر ان الشاعر يأسر بحرفه ، ونظمه الجميلين،  فتبقى أسير اسلوب مميز ،،، نظما ومعنى ورونق حرف ،،، تكاد تعيش مع الشعر اناقة تشبه السلف وتبتعد عن الحداثة الى حد تقترب من الحكمة وبعمق الروية والهدف .





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موسم النبي روبين في جنوب فلسطين بلدة ومقام النبي روبين عام 1935

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

الأولى   فنون حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان  2018-08-01 10:00:00 المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان إياد شماسنة كاتب وشاعر من فلسطين  "أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض. عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن ال...

رحلة ايفا شتال الى فلسطين عبر مخيم تل الزعتر

" حدود المنفى " (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر) جوتنبرج 14.01.19 أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 "لقاءات"، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين) . لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال . نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: "هذه هي حياتنا" "هذا هو الاحتلال" أو "هذه هي إسرائيل "...