د. إبراهيم خليل
في مستهل روايته الرقص الوثني (دار فضاءات: 2017) يقفنا الكاتب إياد شماسنة،
إزاء شخصية إدريس عتيق الذي تحول من تهريب الخلويات إلى تهريب الآثار، فقد عثر على
صندوق في بيت قديم من الحي المعروف باسم تل بيوت، أو القطمون (ص32) فسارع به إلى
مايك سمرون الأرمني – تاجر الأنتيكة في حي عريق من أحياء القدس القديمة (خان
الزيت) (ص181) وساومه لقاء مبلغ ما، وهذا بدوره يسارع لعرض الصندوق على البروفسور
بنيامين بن يهودا المتخصص في التاريخ، والمدرس في الجامعة العبرية في القدس (ص37)
وبعد مناكفات مع الأرمني، اشتراه بن يهودا
بثمن بخس، مدَّعيًا أن جل ما فيه أوراق لا تقدم، ولا تؤخر ، ولكنه بعد أن تفحص
هاتيك الأوراق، وجدها تعود إلى جيمس فنّ (ص42) قنصل بريطانيا في القدس حتى عام
1948. وهي أوراق ووثائق لا تخلو من فائدة لمن يهتم بالكتابة عن نشأة الكيان
الصهيوني، وذلك ما يعكف عليه منذ مدة.
فهي ترجع به إلى زمن نابليون، وحملته على عكا، ودعوته اليهود ليتجمعوا كي
ينشيء لهم وطنا في فلسطين.(ص43) وتعود به أيضا إلى زمن محمد علي، وظاهر العمر، ثم
يواصل متتبعًا سيرة حاييم فرحي، أول من أنشأ مستوطنة يهودية في البلاد. أما تسيبي
زوجته النشطة في مجال حقوق الإنسان فتحثه على استخدام تلك الأوراق في كتابة رواية
بدلا من التاريخ الذي لا يقرؤه إلا المتخصصون، وهم قلة، في حين تقتحم الرواية
عوالم أناس كثيرين من مختلف الطبقات الاجتماعية، ويتفقان على عنوان للرواية التي
لم تكتب بعد، وهو" رقصة الوثني ".
الحب
والبارتهيد
في تلك الأثناء تواجه بن يهواد وتسيبي مشكلة جديدة، وهي تعلق ابنتهما
الوحيدة إستير بشاب عربي(سليمان بن شاهين) كانت قد تعرفت عليه في دورة تدريبية للتعايش. وهذا
الشاب، علاوة على أنه محامٍ عربي فهو أيضا نَشِط في مجال حقوق الإنسان، ومعروف
بتبنيه قضايا الدفاع عن العرب وحقوقهم، ويتصدى لمحاولات تشييد جدار عنصري بين حيين
من أحياء اللد، أحدهما عربي، والآخر غير عربي. ويحاول كل من بن يهودا وتسيبي
التأثير على هذه العلاقة. فما كان من بن يهودا إلا أن توجه لشلومو بن أورون في
جهاز الشاباك شاكيا بمرارة من هذا الوضع الذي يحيط بإستير. ويطمئنُه هذا الأخير،
ويدعوه لمزيد من الصبر. في حين أن زوجته تسيبي تفصح لصديقتها زهافا عن مخاوفها من
هذه العلاقة، لا سيما وأن بين الإسرائيليين من يقاوم هذا الحبّ، وبصفة خاصة
الجماعة التي تسمي نفسها ياد لأحيم. وهي جماعة متطرفة تقاوم ارتباط الشابات
اليهوديات بالعرب الشبان (ص81) وتذكرها بأن من الممكن الاستفادة من هذا الشاب،
واستخدامه جاسوسًا كالعميل السري عامر حسين (ص39) الذي استطاع أن يخترق منظمة
التحرير، ويصبح مساعدا لأبرز قيادي فيها. وجاء
اختفاءُ إستير أيامًا، وانتقالها إلى منزل سليمان في حي بيارة مطير باللد،
ليشعل الكثير من ردود الفعل التي تمخَّضت عن ظهور تنظيم آخر يرفع شعار (الحب في
زمن البارتهيد) الذي نظم عرسًا رمزيًا فرّقه الجنود بقنابل الغاز المسيل للدموع (ص119).
الغرفة
الأخرى
وفي الفصل الثامن من الرواية، وبعد عودة إستير إلى المنزل، تتلقى رسالة بالعبرية
من مجهول يقول فيها " عليك أن تفتحي غرفة الأسرار.. إستير" (ص133) وهذه،
في رأينا، ثغرة كنا نتوقع أن يقوم الكاتب بمعالجتها فمن هو المرسل وما مصلحتُه في
ذلك؟ على أي حال كان بنيامين بن يهودا قد
خصص لنفسه غرفة في المنزل يُمنع على غيره دخولها، والاطلاع على ما فيها، وقامت
إستير باقتحامها، وعثرت على ملف يتضمن صورا وأوراقا واعترافاتٍ تحمل توقيعي ديفيد
تارة، ومريام تارة أخرى. (ص134) وفي المذكرات المكتوبة بالعبرية والإنجليزية قرأت أسماء:
سعيد، وخلدون، ودوف، وديفيد، وصفية، وموشيه، ونورا روزنشتاين . وفي نهاية إحدى
الصفحات كتبت السيدة مريام تقول: " رحلنا إلى تل أبيب، يجب أن يبقى ديفيد
بعيدًا عن عيني سعيد . لقد تربى صهيونيا ، وهو يخدم في الجيش الإسرائيلي، وبعد أن
تزوج فضلنا جميعًا أن يتحول(اسمه) إلى يهودا لكي ينتمي أكثر من مجرد اقتران اسمه
بديفيد بن غوريون " (ص148)
تعيد المذكرات إلى أذهاننا حكاية غسان كنفاني في روايته "عائد إلى
حيفا". فالاسم سعيد هو والد خلدون، وصفية أمه. وكانا قد غادرا منزلهما في
حيفا عشية سقوطها، ومن شدة الهلع نسيا طفلهما في المنزل، وبعد نحو عشرين عاما
غادرا رام الله إلى حيفا للبحث عن ابنهما خلدون، فوجدا – وفق رواية كنفاني- سيدة
اسمها مريام تقيم في منزلهما، وشاهدا ابنهما وقد أصبح ضابطاً في الجيش، يتكلم
العبرية، ولا يعرف شيئا عن أصله، فكل ما يعرفه هو أنه ابن هذه العائلة التي
احتضنته، وربته على الإيمان بالصهيونية، وخسر سعيد ابنه في حوارهما، لأن الأبوَّة،
قضية، وليست رابطة بيولوجية فحسب (ص149).
وتمضي المذكرات فتقول: إن بنيامين هو حفيد سعيد، وتبعا لذلك تظن إستير أنها
عربية، وربما كان ابن شاهين أحد أقاربها الأدْنين. وقد تزامن هذا الاكتشاف المثير،
والخطير، مع الضجيج الذي أثير حول كتابي إسرائيل شاحاك، وبني موريس، عن أباطيل
اليهودية، وأساطير الدولة العبرية (ص151) علاوة على الضجة التي أثيرت حول رواية
(الجدار الحي) Border Life للكاتبة دوريت رابينيان، التي
تروي فيها قصة حب بين فتاة يهودية وفلسطيني التقيا في نيويورك، وعلى الرغم من فوز
الرواية بجائزة، إلا أن وزارة المعارف قامت بشطبها، ومنع تداولها، لأنها تؤيد
العلاقة المختلطة بين الأغيار واليهود (ص40).
ولم يمض إلا وقت قصير حتى اكتشف بن يهودا أن إستير اقتحمت غرفته المنيعة،
واطلعت على غير قليل من أسراره. فاجأته ذات جلسة بسؤال: هل أنت عربي؟ وهل جدي
يهودا هو ديفيد؟ وهل صفية هي أمه العربية؟ سعيد العائد إلى حيفا، هل هو جدي؟ هل
قرأتَ رواية "عائد إلى حيفا" لغسان كنفاني، أحد منتسبي الجبهة التي
اغتالت رحبعام زئيفي؟ (160ص) وبصرف النظر عن ردود الفعل، تعلق إستير قائلة "
من حقي أن أعرف ما الذي جرى لعائلتي؟ " (ص161) وتلح على بن شاهين كي يأخذها
إلى رام الله، وإلى مخيم الجلزون، فهو المخيم الذي ذكر في رواية كنفاني المشهورة،
بهدف البحث عمن بقي من أسرة سعيد التي تظن أنها تنتسب إليها وتنتمي. (ص163) بيد أن
المحاولات تبوء بالإخفاق ، فالبحث عن صفية، أو سعيد، أو عمن بقي من أفراد الأسرة،
كالبحث عن إبرة في كومة من الأتربة." لم يفلح شاهين في العثور على طرف خيط
يقودهما إلى معرفة مكان سعيد، أو أي ممن يتحدث عنهم كنفاني في روايته. خمَّن بعضهم
أن يكونا قد ذهبا إلى الأردن هربا من فجيعتهما، وربما ماتا في حرْبٍ ما، بعض
الأصدقاء قال: إن غسان كنفاني اخترع الحكاية في روايته الشهيرة عائد إلى حيفا
اختراعًا، مؤكدًا أنها حكاية غير حقيقية. واقترح على ابن شاهين العودة إلى الديار
للملمة الخيوط " (ص174). ونظرا لشدة إلحاح إستير على هذا الأمر، والقلق الذي
يساورها فقد تلاحى بنيامين وتسيبي في الأمر، وتجادلا، وانتهى بهما الجدال إلى التذكير
بأن إستير ليست ابنتهما، وأنهما عثرا عليها في الشارع قريبا من شاطئ البحر .وأنها
متبناة.(ص187). ومع هذا، اتفقا على الاستمرار في إخفاء الحقيقة عنها، وفي الأثناء فشلت
محاولة لاغتيال ابن شاهين. وربما كان الفاعلون من المتطرفين الذين غاظهم موقفه من
جدارالفصل العنصري الذي أمر بتشييده إرئيل شارون بين الحي العربي في اللد والحي
اليهودي (ص193) وقتلت في الأثناء نتالي فريدمان (ص200).
وتحول إدريس حمدان عتيق إلى سلفيّ يطيل لحيته، ويتردد إلى الجوامع لأداء
الصلاة، بما في ذلك صلاة الفجر، وذلك لتغطية الموبقات التي يرتكبها في تجارته.
وألقيَ القبضُ على ناعوم مزراعي - صديق نتالي فريدمان- ووجهت له تهمة القتل الخطأ
(ص218) وبينت التحقيقات أن لتسيبي – زوجة بنيامين- ضلعًا في الجريمة.
الحقيقة
المرة
وفي الفصل الثامن عشر يروي الكاتبُ، بلسان ابن شاهين، ما دار بين إستير
وتسيبي، فقد ذكرت لها بالتفصيل حكاية العثور عليها تائهة على الشاطئ، وفي ذلك يقال
" لقد أرسل الرب هذه الطفلة لتكون المنقذ للشابين اللذين جمعهما الحبُّ
" وحرمتهما الطبيعة من الإنجاب (ص237) وبعد أن سمعت إستير هذه الرواية عن
أصلها أصابتها نوبة من الهستيريا، لا سيما أنها جاءت متزامنة مع مقتل أحد زملائها
(روفائيل) في حرب غزة، على يدي جندي من وحدته تنفيذا لبروتوكول هانيبال الذي يحث
الجنود على توجيه نيران كثيفة، وثقيلة، وفِعْل كل ما يمكن لمنع سقوط جنود
إسرائيليين في الأسر. (ص253) وقد تتابع عليها الأطباء يحاولون تشخيص الحالة
المرضية لها، وجرى الإجماع على أنها تعاني مما سمّوه" اضطراب الهوية ".
السحر
على الساحر
والواضح لكل من يقرأ الرواية أن الكاتب شماسنة يلح على إشكالية تتمثل في
شخصية البروفسور بن يهودا. فوالده هو خلدون الذي جرت تسميته ديفيد، ثم بعد الرحيل
إلى تل أبيب جرى تغيير اسمه إلى يهودا. وأمه هي صفية لا مريام. وكان ديفيد أو
يهودا قد تزوج، وولد له بنيامين الذي نشأ في تل أبيب، ودرس الآثار، وعمل في
الجامعة العبرية، ومستشارا لأحد فروع الشاباك، وتزوج من تسيبي النشطة في (بيتسليم)
، وبما أنهما لا ينجبان فقد وجدا في الطفلة التائهة عند شاطئ البحر ضالتهما،
وسموها إستير. وأخيرا اكتشفت إستير الحقيقة، وكان ما كان. وفي الوقت الذي يُحال
فيه إلى التقاعد يجد نفسه أمام خيارين، أحلاهما مر، فإما أن يترك الكيان
الإسرائيلي، ويبحث لنفسه، ولأسرته عن مكان ما في العالم بعيد عن التناقضات،
والأزمات، التي يشعر بها في إسرائيل، فتتعافى إستير، أو أن يستمر في البحث عن عن
أصول العائلة، والعثور على أهل إستير المفقودين من خمسة وعشرين عامًا، أو أي أثر
لصفية، وزوجها سعيد، في رام الله، أو غير رام الله.
وهكذا ينقلب السحر على الساحر، وتغدو نهاية الحكاية هي أن يبحث من يظن نفسه
إسرائيليا عن هويته التائهة في رام الله، أو في مخيم الجلزون، حيث الذين شردتهم
إسرائيل عام 1948 ينتظرون. وتفقد كل الذكريات عن بطولات والده ضد افراد من
الفلسطينيين قتلوا فيها جميعا طعمها، ونكهتها العنصرية، أما عملية استنبات البامبو،
التي خيل لمريام أنها نجحت فيها نجاحا كبيرا، فقد كانت ثمرتها خاتمة تراجيدية
تلخصها عبارة بن يهودا " اللعنة عليك يا شلومو" (ص290) يقول ذلك، وهو
يتابع الأخبار عن شعور إستير بالضياع بعد الصدمات المتتابعة التي تعرضت لها. وما
تعرض له سعيد عبد الحق من ذبحة صدرية أدت إلى وفاته يوم حُكم على ابنه خالد بالسجن
المؤبد بعد مقتل رفاقه. (ص291) وقد جمع بن يهودا مرة أخرى بين شلومو وتسيبي في
سياق واحد " اللعنة عليك يا شلومو. اللعنة عليك يا تسيبي " (ص298) وأما
إستير فقد قيل في نهاية المطاف إنها لن تشفى من حالتها ما لم تنجح في ترميم هويتها
التي تشتت وضاعت (ص304)، وهذا شيء ينسحب
على النهايات الحادة التي آلت إليها الشخوص. فالكل محتاج إلى ترميم هويته، والكيان
الإسرائيلي نفسه كيان بلا هوية، وهذا ما يقوله كتابا بني موريس، وإسرائيل شاحاك. وأحد
التأويلات التي يمكن أن يقتنع بها القارئ أن هذه الرواية ترمز بإستير لإسرائيل
نفسها، فهي كيان لقيط بالرغم من الإدعاءات الكثيرة عن " أصلها وفصلها "
وعن النشوء، وعن الوعد الإلهي لشعبه المختار؛ ولا بد أن يأتي يوم تعترف فيه هذه
الدولة التي قامت على الإدعاءات أن الاستمرار في التزييف يستطيع أن يخدع بعض الناس،
لبعض الوقت، لكنه لن يخدع كل الناس كل الوقت.
وجوه
من الإبداع
واللافت للنظر أن الرواية لا تنم عن رؤية إيديولوجية للصراع العربي
الصهيوني من المنظور الفلسطيني فحسب، بل تحاول أن تسبر غور الواقع الإسرائيلي،
فتقدم لنا هذه الرؤية كما لو كانت من داخل المؤسسة الصهيونية، فالذين أدانوا
التناقض الإسرائيلي، والتزييف المستمر، إن كان على مستوى التفريق العنصري، أو
الاستيطان، أو تشويه التاريخ، أو إدعاء التمثيل الشرعي الوحيد للخالق، أو
الازدواجية على مستوى حقوق الإنسان، أو إستشراء الفساد في الشاباك، وفي السلطة
العسكرية، والحاخامية، وتصفية الحسابات لدى مافيا الماس، وغير ذلك من شئون- إنما
هم في الغالب إسرائيليون.. وقد سلك المؤلف في ذلك مسلك من يراعي في البناء الفني
شروطه دون أن يقع في الخطابية المباشرة. فمن يقرأ الرواية، قراءة متأنية، يلاحظ أن
السارد يتنقل في فصول الرواية تنقلا سلسًا، ويغيب عن مسرح الحوادث تاركا للشخوص أن
يتحدثوا، وقد يطول الحديث أحيانا ليتحول المتحدث إلى سارد آخر . وتبعا لذلك يمتزج
الحوار في هذه الرواية بالسرد حين يروي المتكلم بحديثه بعض الوقائع، أو يفسرها، أو
يعلق عليها تعليقا لا تبرز فيه رؤية الكاتب مباشرة.
ومن وجوه الابداع في هذه الرواية أن المؤلف لا يقدم لنا شخصياته تقديما
تقليديًا، بل يكتفي بذكر الشخصية وما تقوم به ثم ينتهز الفرص لاحقا لزيادة تعريفنا
بها، فعلى سبيل المثال لا نقف على طبيعة شخصية إدريس في بداية الرواية على الرغم
من ظهوره في الفصل الأول، ولا على شخصية مايك جورج سميجيان، ولا على شخصية بن
يهودا، إلا بعد أن تكتمل حبكة الرواية. وهو يتبع هذا الأسلوب في موقفه من شخصية
تسيبي وإستير وناتالي فريدمان وناعوم مزراحي .. مما يضفي على الرواية بعض التشويق،
أولا، ويضفي على الحوادث المتفرقة شيئا غير قليل من الترابط والانسجام النصي.
وهذه الرواية مزيج من التاريخ والراهن المعيش، وفيها يستخدم المؤلف تنوعا في
ملفوظه السردي، فهو يروي من الأحداث التي تقع بادئا في موقع زمني متأخر، فعلى سبيل
المثال كان قدوم الحاخام (حاييم أبو العافية) إلى طبرية في الماضي البعيد لكن
المؤلف يرويه بعد تخطيه للحاضر الإسرائيلي، ويروي أيضا حكاية طريفة عن الرئيس
الأميركي هاري ترومان، وأسرار ترشحه لانتخابات الرئاسة، وفوزه، وعلى هذا النحو ذكر
لنا شيئا عن مايك سمرون وتجارة التحف في خان الزيت، ثم في موقع لاحق (ص272) يروي
لنا شيئا عن تاريخ هذه التجارة، وعن أنطون سمحان، وعن جورج أنطون، وأخيرا عن مايك
الذي آلت إليه ملكية المتجر. وقد استعاد السارد في موقع متأخر (ص237) طفولة إستير،
وكيف وجدها بن يهودا وزوجته على شاطئ البحر، ووقعا في غرام الطفلة التي تبنياها
وأطلقا عليها اسم إستير. ولا يفتأ يسترجع ما يعرف تاريخيا باسم عملية بساط الريح
من خلال شخصية طريفة هي شخصية مسلَّم أسأر الذي وفد إلى فلسطين فيمن وفدوا من يهود
اليمن على عهد الإمامية، وقد روى لنا في مواقع متعددة هذه الحكاية التي أسفرت عن
استقدام نصف مليون يهودي يمني في شهر واحد استخدمت في نقلهم 380 رحلة جوية في
طائرات بريطانية وأمريكية بلغت تكاليفها نحو 425 مليون دولار لم تدفع منها إسرائيل
دولارا واحدًا. ولا تخلو الرواية من تواتر يسلط الضوء على بعض الوقائع المهمة كواقعة
بساط الريح المذكورة، وزواج بن يهودا من
تسيبي التي رويت مرارا، وفي إحداها يضيف بن يهودا قائلا إن والده من أصل عربي فضل
الدولة والجيش على العودة إلى أهله الذين تركوه. فقالت تسيبي معلقة: إذا كنت أنت
من أصل عربي، فأنا غجرية، أمي إسبانية، وخالتي من جزر المالديف (ص114) ومن قبيل
التواتر أيضا ذكر الراوي للقاء الأول الذي جمع بين بنيامين وتسيبي في حفل زفاف
هازافا فقد تكرر ذكره مرارًا.
كلمة
أخيرة
ومثل هذه الآليات المتبعة في سرد الكاتب للمتن الحكائي تؤكد أن إياد
شماسنة، الذي تحول من الشعر إلى الرواية، لا يكتب الرواية بطريقة عشوائية، كغيره
ممن تحوَّلوا، وإنما هي كتابة تنم على خبرة، وحنكة، واطلاع، وممارسة، كفلتْ له
تقديم رواية جيدة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، رواية تقتنصُ بحجر واحد عصافير
كثيرة، فهي: تدين المؤسسة الإسرائيلية من وجوه عدة، بعض هذه الإدانات جاءت عن طريق
الشخصيات الإسرائيلية، وتشير إلى الهوية المزورة للإسرائيلي، فعائلة بن يهودا خليط
من أعراق لا تجانس بينها، ولا تشابه في الثقافة، أو الدين. وتدين الرواية
السلاطين، والأمراء، والقادة، ممن أسْهموا في نشأة الكيان الصهيوني منذ قدوم أوائل
الصهيونيين إلى طبرية، وإنشاء المستوطنة الأولى حتى وثائق جيمس فنّ، وزوجته
إليزابيث، مرورًا بوعد نابليون الذي سبق وعد بلفور بمائة عام، وتؤكد، بصفة عامة،
العَماء الأخلاقي التام لدعاة إسرائيل، والداعمين لهم، من غربيين وشرقيين.
تعليقات
إرسال تعليق