التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العودة من تضاريس التيه





لا أعرف الأديبة مريم التيجي شخصيا، رغم اننا أصدقاء في مواقع التواصل الاجتماعي، لكني بعدما أتممت قراءة تضاريس التيه التي تسلكها في مجموعتها القصصية الصادرة عن دار فضاءات  عام 2013 م، استطيع أن ازعم أني افهمها ،وهي التي تقول" عندما اكتب أكون أنا "
ما يجمعنا شخصيا بمريم التيجي هو تجربة ممتدة في الحقل الصحي، لذلك استطيع ان أكون انطباعا لا ازعم انه نهائي عن هذه الشخصية المغربية ذات الملامح الأندلسية كما وصفها الأستاذ " نهاد عبد الستار رشيد" فان كان هي ذاتها  الذات الكتابية والإنسانة المطلعة على التجارب الإنسانية عن قرب وخصوصا في حالات الألم والمرض ، وقد جمعنا القلم في حقل الكتابة ثم التقينا لدى جهاد أبو حشيش  لننشر أعمالنا ، كل ذلك يمنحني الأدوات التي أبحر بها في تضاريس التيه بكل رشاد وانتباه
تقتحم مريم التيجي عوالم جديدة متشابكة ومتعدد في مجموعة واحدة ، كل منها يحمل من الزخم ما يحتمل مجموعة لوحده، فتطرق في شجاعة مذهلة، وباستخدام قلم يوازي مبضع الجراح لتلامس قضايا الميلاد والحياة والموت، المرأة ، الكرامة الإنسانية، الحق في الحياة والاحترام، ثم تنتقل إلى العنف ضد الأطفال والتحرش الجنسي، بأسلوب سردي ناضج وواقعية جميلة بعيدة عن التسطيح ، وهي تستقي موادها من الواقع ومن تفاعلها اليومي مع التجارب الإنسانية لتشكل نقطة مضيئة في هذا الزمن البارد
عرفت مريم التيجي، وسمعت عنها من خلال حديث الأديبة الفلسطينية مرمر القاسم الأنصاري ، وقد كنا جميعا من رواد المدونات الالكترونية، وخصوصا في مدونات مكتوب التي أنهت شركة ياهو (yahoo) وجود مدوناتها، واستطعت أن اعرف من خلال حديث أجراه معها الأستاذ نهاد رشيد أن مرت بتجارب ذاتية أسهمت في تكوين وتعميق تجربتها القصصية، وأكد هي أيضا مرة أخرى أنها تستقي موادها  بما يشبه صورا فوتوغرافية  لأكثر من زاوية من زوايا الحياة ،
أما  أكثر ما بدا واضح التأثير في الكاتبة؛ فهو وفاة صديقة حميمة لها في أوج الشباب وهي تلد طفلتها، مما شكل موقفا لم تستطع تجاوزه، ولذلك ربما أكدت أنها لا تشغل بالها بإيصال رسائل ما بشكل مباشر بقدر ما تعيش ذاتها في الكتابة وتتفاعل مع مواقف إنسانية مختلفة
معرفة مريم التيجي باللغة الفرنسية منحها فرصة الاطلاع على الأدب الفرنسي وخصوصا أدب القرن التاسع عشر كما أكدت ذات حوار، مما أمدها بشغف الاكتشاف وجماليات السرد السلس رغم ما يحمله من الم يجعلك قريبا من فيكتور هيجو في رائعته البؤساء
يبدو ان التكوين الشخصي والتجربة الحياتية مرة أخرى قد ساهمت في تكوين وعي عميق بالمعاناة الإنسانية التي تجسها مريم التيجي ، فقد كانت في طفولتها " كثيرة المرض" وربما عاش مرات عديدة تجارب مع الألم والمرض والانتظار في المستشفيات الحكومية التي تتميز بشيء عن بؤس مؤسسات العالم الثالث، وربما أيضا عانت الخيبات ممن كانت تتوقع منهم العلاج والأمل، لذلك جاءت مجموعتها القصصية ناقدة اجتماعية بالمقام الأول رغم عدم قصدها النقد المباشر ، وجاءت تنويرية تشير إلى الخلل بمبضع جراح يريد عالما نقيا يليق بالإنسان العربي الذي لا زال يعاني من عصور من الظلمة وعدم الاحترام

اياد شماسنة
شاعر وروائي فلسطيني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موسم النبي روبين في جنوب فلسطين بلدة ومقام النبي روبين عام 1935

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

الأولى   فنون حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان  2018-08-01 10:00:00 المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان إياد شماسنة كاتب وشاعر من فلسطين  "أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض. عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن ال...

رحلة ايفا شتال الى فلسطين عبر مخيم تل الزعتر

" حدود المنفى " (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر) جوتنبرج 14.01.19 أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 "لقاءات"، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين) . لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال . نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: "هذه هي حياتنا" "هذا هو الاحتلال" أو "هذه هي إسرائيل "...