التخطي إلى المحتوى الرئيسي
 

أن تكون كاتبا عربيا 

اياد شماسنة\ شاعر وروائي

الكتابة حظ الحبر من المعنى، وحظ الورق من الصورة الإبداعية. والإبداع المكتوب حظ العالم من الدهشة. كل ذلك يقوم على عاتق إنسان كتب باختياره الحر؛لأنه يريد أن يصبح كاتبا، أو لأنه يزعم أن الكتابة خياره الذي يريد أن يساهم به في صياغة شيء من تاريخ روح هذا العالم .
اعتقد أن الكتابة قدر، وأن الكُتّاب على تلٍّ مرتفع أمام العيون، يحسدون على ما هم فيه. وقد نجد الكثيرين يريدون أن يدخلوا عالم الكتابة بمحض إرادتهم، لكن القلائل رفضوا أو تخلوا عن الكتابة بعدما تورطوا فيها.
يعرف الجميع أن الكتابة ورطة لا خلاص منها، والعلاقة بها مثل العلاقة بالماء، قد يؤدي إلى السباحة والنجاة مع البلل أو الغرق، وهي أيضا طريق الشقاء من باب المتنبي حيث" ذو العقل يشقى في النعيم بعقله\وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم".
أن تكون كاتبا عربيا في زمن الكساد؛ يعني أن تلج من عالم شقائك العربي الواسع إلى عالم أكثر همّاً وتعبا. هو الذهاب قسرا أو اختيارا إلى المجال الحيوي الذي تمنح فيه الورق أو شاشة الحاسب الآلي كثيرا من احمرار عينيك، توتر أعصابك، وحظ أولادك منك، حظ زوجك من المحبة، حظ والديك من البر والإحسان، وحظك من العطاء، ثم لا تجد إلا الكساد، لا أحد يطبع لك ما أبدعت لا ناشر ينشر، لا قارئ إلا مهتم بإثارة وشغف وأحداث عنف وجنس، ولا تاجر إلا ويريدك أن تنفق على تجارته بأوراقك وجيبك المثقوب، ولا أحد يقول إلا" الله لا يردك، ما بدك إلا تصير كاتب".
أن تكون كاتبا عربيا يعني أن تكون حذرا من السلطان، ومن عبد السلطان وسائس خيل السلطان وحريم السلطان، ثم من الصعاليك وأبناء الصعاليك، ومن شيخ القبيلة وأم وابنة شيخ القبيلة، أن تكتب يعني أن تشك بك زوجك لأن حديثك العذب يجد مسرى إلى قلوب رقيقة، وان تشك بك العامة لأنك ترقى وانت منهم، فتصبح نخبة، وهم لا يحبون النخب لكثرة ما تجرعوا من أعمال النخب .
في القصر أنت لا تمدح، ولا تفرح، تناقش وتناقض وتعارض، بين الصعاليك أنت تذم الغباء وتنفخ في الغبار المتراكم في الجماجم، وتمدح الصفاء والنقاء، وبالنسبة للعامة أنت تجلس في برجك الورقي مشبعا بالحبر والمجازات، تحسب إنك نبي المجاز الذي يرى ما لا يُرى، وأنت في الحقيقة لا تملك إلا أثر الفراشة أو جناحها في الأثير، وعند أهل المساجد من ذوي النقل؛ أنت ممن يتبعهم الغاوون، الذين يقولون ما لا يفعلون، والذين في كل واد يهيمون.
إذا أتيحت لك الفرصة فلا تكن كاتبا، لأن الكتابة هي صاحبة المسؤولية، فإما أن تأخذك إلى العالم الذي قُدِّرَ لك، وتحملا معا وزر الحروف والمجازات، لا تراهن على قصر أو نهر. لن يرفعك الصعاليك لأنهم لا يقرأون، ولن يرأف بك المسجديون النقليّون؛ لأنك تلهي عن الذكر بذكر لا يتقنوه، أنت تكشف ضعفهم وتعري جهلهم بلسان قرآنهم وقرآنك، لن يرحمك التجار ،إلا إذا وهبت ورقك المجاني لموائدهم.
إن دخلت برزخ الكتابة وسمعت إن مؤلفة  سلسلة هاري بوتر جوان رولينغ؛ حققت المليار دولار من الكتابة، فلا تتفاءل لأنها لو كانت بيننا في بلاد العم يعرب لدفعتها إتاوات وضرائب. وان عرفت إن أغاثا كريستي قد تجاوزت مبيعاتها مئات الملايين من النسخ فتذكر إنها امرأة تتحدث عن الجريمة ومجتمعاتنا نقية لا تحب الجرائم ولا ترتكبها، ومن القبيح أن تكتب عنها لأنك سوف تكون ممن يثيرون الفتن، والفتن نائمة، لعن الله من أيقظها .
لا تكتب. دع القلم وحده يسيل، لا تراهن، لا تسعى وراء الجوائز لأنها مباعة سلفا، لا تبحث عن تمويل لأن مشروعك الإبداعي لا يمثل سوق المال،لا تتفاءل بالتنوير لأنك ممن يريدون ان يفهم الناس، والناس إن فهمت، ناضلت، وإن ناضلتْ أقلقتْ راحة الكراسي.
اكتب فقط لأنك تحب الكتابة وتتنفس بالإبداع، اكتب هكذا لأنك خلقت لتكتب كما خلقت لتتنفس، وتركض، وتحب النساء، والمال والبنين، والمال والبنون زينة الحياة الدنيا، اكتب لتكون الكتابة زينتك. لتتزين وتتألق بالكتابة .
 
* شاعر وروائي من فلسطين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موسم النبي روبين في جنوب فلسطين بلدة ومقام النبي روبين عام 1935

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

الأولى   فنون حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان  2018-08-01 10:00:00 المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان إياد شماسنة كاتب وشاعر من فلسطين  "أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض. عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن ال...

رحلة ايفا شتال الى فلسطين عبر مخيم تل الزعتر

" حدود المنفى " (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر) جوتنبرج 14.01.19 أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 "لقاءات"، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين) . لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال . نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: "هذه هي حياتنا" "هذا هو الاحتلال" أو "هذه هي إسرائيل "...