إياد شماسنة*
عظيمة من بين النساء، تلك المرأة التي ما زالت
تذكر أنها أنثى في زمن يحاول أن يجعلها رجلا، لأن الزمن كما هو قاسٍ على الرجال؛
فهو أيضا قاسٍ أكثر على المرأة، من حيث أنه يريدها أي شيء إلا أن تكون أنثى، تلبية
لحاجته هو؛ لا ما تحتاج هي أن تكون.
المرأة/ الأنثى، صاحبة الفخامة الأنثوية الحقيقية
لدى قلبي هي من تُعنى بتجميل روحها وعقلها قبل وجهها، هي التي تقنعني بعذوبة
لسانها أكثر من اقتناعي بالتفاتة عينها، والتي لا تحتاج إلا لاكتمالي بها،
واكتمالها بي.
المرأة التي أحبها؛ لا تبحث عن ظل رجل كحائط يقيها
برد الشتاء وغبار الصيف، وحين يسقط تسقط فوقه أو تحته. بل ترتل اختيارها وقرارها ،
مفخخة بالطموح، تأخذ ما تيسر من ملح التعب لتطفئ به جرح الانكسار والظلم ، كلما
أصبحت قاب حرية من عزتها، أصبحت قاب عناق لفكرتها العليا بالعدالة.
امرأتي التي أحبها، هي من اطمئن لقلبها ولروحها،
وليقينها وعقلها وإيمانها، ثم لجمالها، فتكون ممن قال الله فيهن" ﴿ وَمِنْ
آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ
لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[1]فهي مخلوقة من نفسي لتكاملها مع نفسي ومن روحها لأنها
طمأنينة روحي، ومن قلبي لأنها مالئة قلبي.
عندما أتحاشى بعض النساء، وأستجير بأسراب من
اللاءات، وبكثير من الهروب، ذلك أني لا استطيع التعامل مع امرأة بلا رأس، إن امرأة
لا تفكر كيف تعيش أفضل إمكانياتها، وتكون امرأة حقيقية، دون أن تجنح إلى الرجولة
أو تستميت في التأنيث، هي امرأة بلا رأس. هذا النوع من النساء ترى نفسها في ما
تختلف أو تشبه غيرها ، تنزف نفسها وهي تقشها لتشبه أو لا تشبه، ترقص كثيرا في باحة
الوجع الليلي وهي ترسل أمنياتها إلى نجمة ما، وتعليقها على شهاب يسقط، والنجوم محض
ضوء وصلنا وانطفأ أصله قبل سنوات طويلة، والشهب الساقطة حجارة محترقة لا تصلح مع
الأمنيات. فقط أحب، واعشق التعامل مع امرأة بضحكة تزدلف إلى القلب، تستقر المجرات
حول خاصرتها ،أيله دائما للمبادرة، المثابرة، تزدهر النبوءات في عينيها ازدهار
الورد في الربيع .
لا أومن بذكورة المجتمع، بل أصر على آن مجتمعنا
أنثوي منذ فجر التاريخ. أومن بالأدوار الخاصة بكل جنس، وان كل فرد وكل جنس أكثر
قدرة وأكثر تأهيلا على أداءأعمال وادوار، مع بقاء الاستعداد دائما لاستلام ادوار
إضافية عند الطوارئ، ثم الارتداد مرة أخرى إلى الدور الأساسي عند السلام.
المجتمع أنثوي منذ جعلنا "عنات" ربة
للخصب، صار الإنتاج والخصوبة والعطاء أنثويا، وصارت: المرأة بامتياز هي التي تصنع
الثقافة، وتخلق الفروق، وتصمم الأشكال للحاجات الإنسانية وطرائق تلبيتها، المرأة
هي صاحبة الدور الكبير في الإنجاز الاجتماعي، وإن كان هذا الدور غير مرئي لسبب أو
آخر من الأسباب.ولا يتم احتسابه لأنه لا يقدر بمال، ونتيجة لذلك لا يدخل المال في
جيوب المستثمرين.
المرأة هي التي تخلق الأنماط الغذائية، والزراعية،
هي التي تصنع الحروب وتصنع السلام. حروب تقوم لأجل امرأة أو بتحريض من امرأة وتنتهي
كُرمى لامرأة أو حبيبة.
المرأة من تربي الرجل ليكون رجلا والأنثى
لتكون أنثى، وكما يقول الموسوي الخميني "إذا سُلبت النساء المربيات
للإنسان من الشعوب فسوف تنحدر الشعوب نحو الهاوية"، وقد قال أيضا إنّ دور
المرأة في المجتمع أهم من دور الرجل، لأنّ النساء والسيدات -وعلاوة على كونهن
شريحة فعّالة على كل الأصعدة، فإنهن يتصدين لتربية الشرائح الفعّالة الأخرى
أيضاً".
وإن الأنثى تختار أنثى أخرى للانضمام إلى مجتمعها
الأنثوي، وتنبذ أخريات. تجمع عائلات وتفرق أخرى، فالمشكلة تتلخص أو تفسر وفق قول
آرثر شوبنهاور[2]إن الرجال بطبيعتهم لا يبالون يبعضهم البعض، أما النساء فأعداء
بطبيعتهن، وربما يبدأ سر المشكلة في أن كل النساء يصبحن مثل أمهاتهن، وهذه هي
مأساتهن؛ ولا يوجد رجل يصبح مثل أمه، وهذه هي مأساتهن أيضا. على حد قول
اوسكار وايلد[3]
حتى حالات الوأد، أو القتل على خلفيات الشرف المزعومة؛
فكثير جدا ما دبرتها أو صنعت مكائدها نساء، وكثيرا ما أظهرت براءتها نساء، دون أن
نبرأ الرجال منها بأية حال من الأحوال.
نهاية، يخطر لي سؤال الكاتب محمد حسن علوان[4]
"لم أفهم قطّ لِماذا يُعلمون الأولاد دروس التفاضل على النِساء، ولا يعلمونهم
دروس التكامل معهن من أجل معادلة صحيحة!".
اكتشف المرأة الزراعة وأنتجت الغذاء، واكتشف
الطب والدواء[5]، ومارست العلاج وتضميد الجراح، وتضميد القلوب. كل ذلك وهي لا تزال
أنثى.
كانت الأنثى معبودة حينا، وكانت مقتولة أو مستعبدة
أحيانا، لكنها استطاعت التسلل عبر تاريخ القهر والظلم الاجتماعي، وهي أنثى. لذلك
يجب إعادة تعريف الأنوثة، بعيدا عن قوانين المساواة ، والنوع الاجتماعي، يجب
تعريفها كبشر حر كامل الإرادة، فقط ، ومراعاة خصوصيته الكاملة بعدالة، بعدالة فقط.
[1] القران الكريم ﴿ سورة الروم اية 21﴾
[2] سبق التعريف به
[3] اوسكار فينغال أوفلاهرتي ويلز وايلد (1854 -
1900) مؤلف مسرحي وروائي وشاعر انجليزيأيرلندي.احترف الكتابة بمختلف الأساليب خلال
ثمانينات القرن التاسع عشر، وأصبح من أكثر كتاب المسرحيات شعبية في لندن في بدايات
التسعينات من نفس القرن. أما في وقتنا الحاضر فقد عرف بمقولاته الحكيمة ورواياته
وظروف سجنه التي تبعها موته في سن مبكر
[4] سبق التعريف به
[5] ويل وايرل ديزرانت ، قصة الحضارة
* شاعر وروائي من فلسطين.
تعليقات
إرسال تعليق