التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قراءة في ديوان حدائق الكريستال للشاعر اياد شماسنة

حدائق الكريستال

بقلم رشا السرميطي
 
ديوان شعر صادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع – الأردن، للشاعر إياد شماسنه، 2015م في (173) صفحة من القطع المتوسط. وإن بدأت من تحليل العنوان:" حدائق الكريستال" فإنَّ كلمة حدائق تعني في دلالتها التنوع والاختلاف وعادة ما تضم الحديقة أكثر من زرع مختلف ألوانه وأزهاره ومذاقه، ينتمي لذات الأرض " الحديقة " وفي ذلك تفسير لتنوع الموضوعات التي جيئت في الديوان لتشمل: الحب، الانتماء، الحلم، السهاد، الشوق، الوفاء، الصَّبر، القوَّة، وغيرها.. وانتماء الشاعر للكتابة أيضًا. أمَّا الكريستال فمعناه " البلورة" وهي أيضًا كلمة يونانيَّة تعني البرودة، كما الماء الذي أضيف إليه مجهولاً فتجمد دون تبريد، والكريستال ثلاثي الأبعاد، وهذا تمامًا ما رأيته في ديوانه، إذ بدا يتألف من ثلاثة أبعاد: البعد الفردي الفكري العميق الذي ظهر واضحًا اسقاط رأيه الشخصي به، بعد الوطن والأرض والآخر الذي تفاعل معه وأخرج استنتاجات واشتقاقات عديدة منه، وأخيرًا البعد الثالث الذي بدا الأوَّل والأولى عنده بكل ما قدمه ألا وهو بعد المرأة.
قصائد الديوان كانت كما البلور ساحرة، جميلة، عميقة، ثمينة تبادلت مفاهيم فكرية عميقة ذات دلالات حقيقية وأخرى خيالية وجدانية، كما ارتبطت ببعض الرؤى الغيبيَّة، التي قدمها الشاعر إياد شماسنه من منظوره الشخصي والفردي، ليحكي للقارئ عن كريستال ثلاثي الأبعاد يراه هو في مواقف ومضامين مختلفة.
لقد وفق الشاعر إياد شماسنه في اختيار العنوان:" حدائق الكريستال" كما اختيار لوحة الغلاف التي تربعت بها المرأة على مجهول رسمه بالطريقة الحلزونية التي كلما تعمق بها المشاهد اشتدَّ الظلام أمامه، وإن نظرنا إليها بطريقة معاكسة لرأينا خروج من الظلمة إلى نور ساطع مكلل باللون الأصفر والليلكي، وبهذين اللونين دلالة حرية وغموض، دفعتني كقارئة لأن أقرأ، ويشد كل قارئ جاد للبحث في هذه الحيرة المشوقة.
ليس كل من كتب الشعر صار شاعرًا، وما كل ما صنِّف منشورًا على أنَّه " شعر" يكون شعرًا، وإنَّما لنظم الشعر فن يحتاج لمهارة ومعرفة وخبرة، وكذا مقدره على امتلاك أوتار الكلمات لاتقان العزف عليها، رغم عدم ميولي للشعر خاصة العمودي منه، ومحبة قراءته، ممَّا يصدر حديثًا على المستوى الفلسطيني لنقل مجازًا، لكنَّني أرى في ما يكتبه إياد شماسنه اختلافًا، بل تميزًا، يجعله شاعرًا حداثيًا على طريق المجد بشعره، واعتنائه بالكلمات والمعاني والصورة اللغوية التي تهز كيان قارئها، وتجعله يعيد قراءتها كي يفهم دلالتها بشكل أعمق وربما لاعجابه بها أيضًا.
بدت كثير من قصائد الدِّيوان مغلفة بالأسرار التي ما انفك القارئ العميق إلا واكتشف مفاتيحها اللغوية والبلاغية، كذا كان هناك حضورًا بهيًّا للمرأة المعشوقة بصورتها السامية، على درب من الاشتياق والتواصل النبيل بأبهى صور الحب، المرأة القوة التي تعين الرَّجل على الاستمرار في الحياة بل ركوب مكنوناتها وبلوغ شواطئ النَّجاح بها. يقول في قصيدة "الأميرة الجالسة": لم أزل منذ أن تكوَّن قلبي/ حائر اللحن بين ليل وليلى/ بين عينيك وابتسامتك سر/ بحروفي، فاجعل الحبر حقلا. تابع في " سيدة الأساطير": وما تستطيع احتمال الحنين/ إليك، ولاتستطيع اصطبارا/ وإنك تمضي؛ فما يتبقى/من الكون إلا مدى يتوارى... ولازلت من دون عينيك؛ضوء/ تلاشى، ونجم على الكون ثارا. أما قصيدة"وصال العاشق": إلى أناقة عينيك التي وصفوا/ أعددت في ساح قلبي غير ما عرفوا/ .. يا سيد النور، خذني في مراتبه/ إني رماني بساح الظلمة التلف/ إني أحب انبعاث الحرف من قلمي/ وخمرتي لغتي، والحبر، والصحف..
في قصيدة " أنا الفلسطيني" قدم إياد شماسنة هويَّته للقراء كشاعر فلسطيني مناضل لا يقف في طريقه عائقًا، ولا يغلبه منع وتطويق، لينتهي به الأمر حيًّا يعيش بكرامة. يقول:" أنا من أرض فلسطين/ لكنني أسكن حدَّ السما/ خالد القلب، نقي الجنا/ مغرم بالأرض، لو علقما/ عائد يا أرضنا، واعدًا/ وعد حر، لايدري مغرما/ حالم والكون في قلبه/ والليالي السود تجري دما.
كما لم تخل قصائد الشاعر إياد شماسنة من الصوفية والنقاء في وصف الحب والمحبوبة والتغني بهما، إذ اشتملت على معان عميقة تعكس ذات صاحبها من قلم له فكر عميق وأرق يكتبه، وقضايا طرق أبوابها بقوة نظمه للشعر فبدت عنده الحكمة وطول التجربة، كما تطرق للحرب والدَّم وكذا الشهادة لأرواح سمت فارتقت للعلياء، يقول في قصيدة "نشيد الدم": كلما أنبت الزمان أمانًا/ أمعنوا فيه نقمة واقتلاعًا/ عندما يذهب الغزاة إلى/ الحرب يشدون للجحيم شراعًا/ ومن الموت لجة ليس تهدا/ ومن الشر جامح ما أطاعا/ يخطفون النَّدى، ويمضون في/ هاجرة الأرض ينثرون النزاعا.
في كثير من قصائده بدا شماسنة ثائرًا مفكرًا متسائلاً ومجيبًا، يطلب القارئ أن يصغي لما لم يقله، ويقرأ ما لم يكتبه، في تقديري إنَّ الشاعر إياد شماسنة ناجح في كتابة الشعر بل متفوق عن غيره ممن يكتبون الشعر اليوم وكذا بتنظيم ديوانه حدائق الكريستال قد تميَّز، فهنيئًا لمكتباتنا الفلسطينية
.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موسم النبي روبين في جنوب فلسطين بلدة ومقام النبي روبين عام 1935

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

الأولى   فنون حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان  2018-08-01 10:00:00 المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان إياد شماسنة كاتب وشاعر من فلسطين  "أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض. عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن ال...

رحلة ايفا شتال الى فلسطين عبر مخيم تل الزعتر

" حدود المنفى " (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر) جوتنبرج 14.01.19 أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 "لقاءات"، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين) . لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال . نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: "هذه هي حياتنا" "هذا هو الاحتلال" أو "هذه هي إسرائيل "...