التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أن تكون عربيا في الوطن العربي

إياد شماسنه\شاعر وروائي فلسطيني

هل جربت أن تبني بلدا عربيا حجرا بعد حجر ، ثم نادوك " يا مصري" عند الحدود، ولم تكن إلا مجرد أجنبي بدرجة ليست أولى.  قل لهم إنك عربي فقط ولن يصدقوك، ستبقى مختلفا، عربيا، مصريا أو أية جنسية أخرى، كأن لم تكن هناك يوما، لم ينزف كاحلك وانت تبني وترفع الأعمدة، لم يثقب مسمار الحديد قدمك أبدا.
أم لعلك كنت تقود العملية التعليمية في دولة نفط لعشرين أو ثلاثين عاما ثم تحتاج أن تقرع جدار الخزان عند الحدود. قل لهم انك عربي فقط ولن يصدقوك، أنت من "الأجانب" الذين يدفعون لهم مقابل الخدمات.
كأن لم تغرس حب البلاد في نفوس البنين والبنات، لم تفتتح يومك بالنشيد الوطني للبلاد، لم تحتفل معهم بيوم الاستقلال وعيد العلم ويوم المعلم، لا تحاول أن تتحدث بصوت أعلى قليلا؛.لا تفكر في محاولة الإقناع، ستزداد الفجوة وربما لن تعود إلى وطنك الذي بنيته، أو ربما تعود بأسرع مما أتيت.
ما أصعب .أن تنزف قطرة بعد قطرة وانت تبني العراق ثم تطرد لأنك أخلصت، لأنك في فترة العهد الطويل كنت تعمل بإخلاص وإتقان، شكرت اليد التي إعانتك، لأنك هتفت لمن هتف لك، لأنك ظننت وأحسنت الظن بأخيك العربي على ضفاف دجلة،
هل كنت يوما قيد الرهان السياسي لليبيا. أو الرضا الإنساني للكفيل في الخليج، أو الشيخ الفلاني في سيناء أو الحزب الفلاني في غزة، أو القرصان العلاني في الصومال،ذلك  \ما يؤكد إنك ما زلت في الزمن العربي الصعب، زمن الكبريت والفحم والبترول، حيث يمر صاحب الجواز المدجج بالطائر القبيح(ليس قبيحا في الأساس) من أمامك ومن بين يديك ومن خلفك، وانت ما تزال تنتظر أن تثبت عظامك حسن نواياها، وإنها لن تتحول إلى أدوات انقلاب في يوم ما.
أن تحتاج إلى وطنك العربي ذراعا أو رأسا، هلالا أو مغربا أو خليجا، يعني أن تقف عشرين ساعة على الحدود التي أقنعوك بها لتثبت انك مؤتمن. ويصدقوا انك أنت.
هل جربت أن تكون فلسطينيا في خارج الجغرافيا  الفلسطينية؟
 هل احتجزت على أي من الحدود أو المطارات لاك فلسطيني بينما يمر شقيقك العربي معززا مكرما، هل ضربك أفراد جهاز امني لسوء فهم بينك وبين أفراده، هل عرفت معنى أن تكون فلسطينيا في الوطن العربي؟
عندما تأتي إلى الاستراحة المتعبة في الغور الفلسطيني أو في مطار في العالم، أو تعبر الجسور والمطارات .لا تخبرني بما تشعر فأنا جربت كيف يعيش الفلسطيني وكيف يموت حيا في الوطن الصغير والكبير
هل جربت أن تكون سوريا في الوطن العربي؟
أن تحمل وثائق وألواح أوغاريت إلى الدنيا ثم تتهم بأنك ضد نظام الممانعة العربي ومع سايكس بيكو ثم تسكن مخيم الزعتري لان المثقف والسياسي والدموي العربي انقسم إلى مؤيد ومعارض للثورة.
أن تمر  بسجن المزة لانك أصبت بانتقادك شرطي مرور ،ثم يصنعون لك من الشبيحة ما يفقأ إحدى  عينيك كي تسبح بحمد الدكتاتور الذي لم يفقأ لك الأخرى،.وبعد ذلك تتهم انك إرهابي وانت تقتل نفسك بان تنفجر.
أن تكون يمنيا عربيا؟
 يعني أن يبيعك الإمام على بساط الريح .ثم يخبئ عرش بلقيس لأنها أعظم منه..ويملأ ممالك العرب القديمة بالقات والطاغوت حتى لا تتحرك لأن امة فيها حضارات اليمن وعزم العراق ومثابرة سوريا وقداسة فلسطين هي أمة يخشى أن تتحرك ولو تحركت لغيرت الكثير.
لقد تعودت أن أغير عاداتي.. لأبقى على قيد الأمل  في الزمن العربي الصعب، صنعت هدنة طويلة مع الإحباط اليومي والضجر وخيبات الأمل اللذان يحولا كل شيء.. لقنابل موقوتة بي وان اعرف أن الأمل حرفة شاقة جدا. 
أفكر الآن بعشوائيات القلب، أن أجعلها من إسمنت بدل الصفيح الساخن، وهكذا من أجل أن أصمد أكثر عند الحدود العربية وفي المطارات والموانئ، وفي القرن العربي المحذوف من التاريخ.
لا تكن عربيا في المطارات والنقاط الحدودية العربية، كن أي شيء، طير يمام، قطة مسالمة، أجنبيا من جزر المحيط الهادي، أي جواز سفر لا ينتمي للجامعة العربية ستتم معاملته أفضل منك.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موسم النبي روبين في جنوب فلسطين بلدة ومقام النبي روبين عام 1935

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

الأولى   فنون حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان  2018-08-01 10:00:00 المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان إياد شماسنة كاتب وشاعر من فلسطين  "أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض. عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن ال...

رحلة ايفا شتال الى فلسطين عبر مخيم تل الزعتر

" حدود المنفى " (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر) جوتنبرج 14.01.19 أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 "لقاءات"، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين) . لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال . نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: "هذه هي حياتنا" "هذا هو الاحتلال" أو "هذه هي إسرائيل "...