إياد شماسنة\شاعر وروائي
هناك الكثير من
التشابك عند الحديث عن ثنائي الثقافة والإعلام، لا يعود هذا التشابك لتعقيد أي من
الثنائي، وإنما لأن محاولة الفصل بينهما، واعتبار أنهما مجالين مختلفين، هو عملية
صعبة ومفخخة تفقد كل منهما أحد أهم مكوناته ؛فالثقافة التي لا تصل إلى المتلقي ولا
يعلم بها أحد تبقى حبيسة مكانها ولا تخلق تأثيرا ولا تحقق إلا ذاتها، كما أن الإعلام
المفرغ من المحتوى الثقافي أو ذاك؛ الذي لا تملؤ الثقافة محتواه هو إعلام عقيم،
فاقد للقيمة التي تحقق هدفها في المساهمة الحضارية التي ننتظرها من الإعلام .
اصطلح تقليديا على
تعريف الإعلام بأنه عملية نقل رسالة ما بين مرسل ومستقبل، ثم تطور المفهوم ليصبح النقل
الحر للمعلومات بإحدى وسائل الإعلام مستهدفا العقل بغرض العلام ذاته فقط (تركي، 1984،
ص227 [i](ثم تطور
المفهوم ليصبح العملية التي يترتب عليها نشر الأخبار والمعلومات الدقيقة من اجل
مخاطبة عقول الجماهير وعواطفهم السامية للارتقاء بهم من خلال تنويرهم وتثقيفهم) مطـر، 2003، ص118[ii](. و وفي تعريف مطر فان العلام يبدو
شريكا في الثقافة، نقلها، تلقي التغذية الراجعة، الترويج للثقافة، مناقشة محتواها،
وعبر أدواته وفي منهج الصدق والدقة والموضوعية فانه يحقق الهدف الثقافي ذاته من
تنمية ثقافية وتنوير وارتقاء. وبهذا يمكن القول أن هدف الثقافة وهدف الإعلام هو
واحد مشترك بين وجهين لعملة واحدة .
أما الثقافة فقد وردت
في تعريفها مئات التعريفات، إلا أن إلا أن الأنثروبولوجي البريطاني إدوارد تايلور
في كتابه "الثقافة البدائية" وضع تعريفا شكل علامة فارقة سنة 1871 م ؛
عندما عرف الثقافة باعتبارها: "ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد
والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان
باعتباره عضوا في مجتمع"( Taylor,11924) [iii] هذا التعريف الشامل سيتحول إلى تعريف
مرجعي لكل المختصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية. لكن أجمل التعريفات التي لم
يقصد به التعريف لذاته، وإنما قيلت في معرض الرأي، هو قول ألدوس هكسلي أن المثقف هو من اكتشف شيئا أكثر تشويقا من الجنس.،وهو هنا يختصر الفرق بين الثقافة
وبين الإثارة والتسلية .بين الجمالي الخالد وبين الاستهلاكي البائد.
عند الحديث عن
الثقافة الفلسطينية يجب الانتباه إلى أن الحديث يدور حول ثقافة فلسطينية بأكثر من
شكل، أولها وهو ثقافة فلسطينية بعقول وأيدي فلسطينية تنشا وتنمو في الوطن او في
الشتات أو الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ولكل منها خصوصية وعلامات مميزة
رغم كونها تجتمع في إطار "الفلسطينية" لكن التحديات والظروف التي تواجه
كل منها تختلف فتكون عناصر ثقافية مختلفة وان اشتركت في العوامل الكبرى.
هناك أيضا ثقافة
فلسطينية بعقول غير فلسطينية، تحب فلسطين، تؤمن بعدالة قضيتها، كما فعلت رضوى
عاشور الكاتبة المصرية في "الطنطورية " و اليأس خوري في روايته
"باب الشمس"، كما إن هناك ثقافة ضد الفلسطينية، ينتجها الآخر أو الموالي
له أو حليفه ويدعمها ويزينها لتحل محل أدواتنا الثقافية تمهيدا لاحتلال الوعي
الفلسطيني .والمقصود بالآخر هنا الاحتلال عبر أدواته وقوته الناعمة وتغلغله عبر
الطابور الخامس، ثم الآخر الأجنبي المتحيز الى الاحتلال ممثلا بأذرعه المؤسساتية
التي تركز على التغلغل عبر المنظمات الأهلية الممولة منه والمعتمدة عليه في عيشها
وبقائها واستمرارها، ثم توجيهها بما تمثل من مرجعيات ثقافية وأجندة اجتماعية، والآخر
أيضا هو المختلف المتأرجح بين أقصى اليسار واليمين ممن يتقلب حسب الو لاءات
السياسية الإقليمية والذي هو على استعداد ان يلغي الآخر بادعاءات مختلفة منها
الديني او الإيديولوجي السياسي .
فلسطينيا؛ نحن أمام
مجموعة من التحديات التي تؤثر في ثنائي الإعلام والثقافية والعلاقة المتبادلة
والشراكة بينهما، أهم هذه التحديات هو انحسار الإعلام المهني الذي يناقش احتياجات
المجتمع ويخاطب عقله أمام الإعلام الجهوي(الحزبي، الفئوي،العشائري أو المناطقي)
الذي يقدم حاجاته وطموحاته إلى الجمهور ويوجهه من اجل خدمة هذه المصالح، هذا الإعلام
لا يكتفي بنقل الرسالة ،بل أصبح صانعا لثقافة بديلة ومركزا لها باعتبارها المستقبل
الذي يجب أن يسود.
يشكل تفتيت العمل الإعلامي
والعمل الثقافي تحديا إضافيا للعلاقة التكاملية المنشودة بين الثقافة والإعلام. ويقصد
بالتفتيت عزل مكونات الفعل الثقافي عن بعضها البعض، فقد أصبحت الآداب بعيدة عن
مؤسسات التربية والتعليم، ثم أصبحت السياحة والآثار بعيدة عن الثقافة والشباب،ونتج
عن ذلك ان صار الإعلام السياسي والفضائحي أو إعلام الإثارة هو الرائج بزعم أن
الجمهور هو من يطلب ذلك، إضافة إلى غيابة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية عن المشهد،
رغم ان الوزارة تدير من قريب أو بعيد أكثر من ألف مسجد تتزامن في خطبة الجمعة مرة
واحدة أسبوعيا خلا الدروس المختلفة التي تؤثر في عشرات الآلاف من المصلين
والمستمعين بما يشكل وعيهم أو يوجهه سلوكهم أو يكون دوافعهم ويستفزها. وهنا أصبح
العمل مشتتا لإعلام الذي يبحث أساسا عن الدخل المادي للاستمرار وعن الإثارة من اجل
استقطاب المزيد، والمنافسة على السبق الإعلامي والخبر العاجل الذي لا توفره
الثقافة بتأنيها وتعقلها.
يقول د سعيد عياد في
محاضرة له في جامعة بيت لحم [1]
إن الإعلام الفئوي الحزبي يقوم بإقالة عقل الفرد لخدمة غايات حزبية، ثم انه يقوم
بالتفكير نيابة عن الجمهور عبر نبذ الواقع، وإعادة إنتاج قيم ومعتقدات بديلة تمثل
الغايات والأهداف الفئوية التي يخدمها وينطق باسمها .
التحدي الآخر الذي
يواجه الثقافة والإعلام مع هو انفجار الإعلام الاليكتروني عالميا، والقصور الذي
يرهق الإعلام الفلسطيني، فما زالت الكثير من الصحف تصدر ورقيا، وعندما تزعم
التحاقها بالصحافة الاليكترونية فإنها تصدر بنفس طريقتها الورقية وذات التصميم في
ملفات من نوع PDF، وبذلك تفقد عناصر السهولة في
الوصول، التفاعلية، المرونة، التشويق، الجاذبية لاستقطاب المتابعين، وبذلك يصبح
الإعلام بأدواته التقليدية عاجزا عن تقديم الثقافة أو المساهمة في خلقها أو الترويج
لها أو إثارة الأسئلة، إلا ما تعلق بالشأن السياسي.
من اجل تحديد أكثر
وضوحا لإشكالية العلاقة بين العلام والثقافة، يجب أن نطرح أسئلة تكون خريطة طريق
بإجاباتها نحو التنمية الثقافية في علاقة مشتركة ومنفعة متبادلة بين الثقافة
والإعلام، لان الاكتفاء بمجر د عقد المقارنات بين ما كنا عليه وما نحن عليه لا
يكون الصورة الحقيقية الواضحة لثقافتنا الحالية ولا يقدم مؤشرا علميا لما يجب أن
نكون عليه ولا يقدم بالتالي تحديدا دقيقا للاحتياجات الواجب تلبيتها من اجل النهوض
باشان الثقافي أو خلق العلاقة التكاملية بين الثقافة والإعلام، ذلك ببساطة يتفق مع
مقولة الشاعر المتوكل طه "إن ذلك يحشرنا في الفكرة النمطية التي تنص على أننا
فشلنا في أن نكون ما كنا عليه" من حيث إننا نسأل إن كان الماضي القريب، ما
قبل النكبة أو الماضي البعيد، أفضل من حالنا، وبأي مقياس وتحت أية مؤشرات ؟ كما أن
السؤال يعيد نفسه عندما نقول بان ما وصلنا إليه هو أفضل مما كنا عليه. إن تحديد
المكانة وقياس الحال يستدعي الاهتمام بقياس المنجز الثقافي وفق مؤشرات ثقافية
حقيقية ثابتة كما تقيس الأمم المتقدمة انجازاتها الثقافية .
الأسئلة التالية مطروحة
للنقاش الثقافي الإعلامي، وهي بتعدد آراء الخبراء سوف تثري الطريق إلى تحقيق علاقة
تكاملية ين الثقافة والإعلام على طريق التنمية الثقافية الإعلامية كجزء من عملية التنمية
المستدامة، وهي كما يأتي:
ü هل يوجد برامج للإعلام
الثقافي \الفني\الأدبي\التراثي ضمن البرامج الأكاديمية لكليات الإعلام؟
ü كم نحن بحاجة إلى توحيد
اللغة الإعلامية في ظل التشتت الإعلامي بين إعلام الإثارة والإعلام التجاري
والحزبي بين المصطلحات والمرجعيات الثقافية؟
ü ما هو الإعلام الثقافي مفاهيميا
وما هو المتوقع منه إعلاميا، وهل هناك فارق بين الإعلامي المثقف أو المثقف الإعلامي؟
ü من المسؤول عن حال الإعلام
الثقافي \الإعلام عن الثقافة \هل هو المثقف الذي ينزوي ولا يملك أدوات وقدرات
التواصل مع الإعلام أم أنه الإعلامي الذي يركض خلف السبق الصحفي المثير أو الخبر
العاجل ويتحاشى الفعاليات الثقافية او انه لا يملك أدوات مخاطبة المثقفين والخوض
في قضاياهم ؟
ü كيف يجب أن يكون شكل
العلاقة بين الثقافة والإعلام \اعتمادية \تكاملية \تبادل المنافع والمصالح\تشاركيه
؟
ü هل نتحدث عن ثقافة تقليدية
أم عن معرفة تشمل مكونات الفن والإبداع والتراث والآداب وغيرها بحيث تساهم في إنتاج
تنمية مستدامة وتخلق فارقا حضاريا بشكل يحاول ردم الفجوة بيننا وبين العالم
المتقدم ؟
ü هل لدينا مؤشرات حقيقية لما
نحن عليه \كما ونوعا \كي نقول إننا بخير، أو نقول إن لدينا فارق بين ما نحن عليه
وما يجب أن نكون عليه ؟
ü هل نعاني من تدني مكانة
المثقف أم من عدم وضوح صورته ومكانته أم من عدم نضوج المثقف ذاته ،مما يؤدي إلى
تراجع مكانته وتجاهله إعلاميا؟.
إننا
بحاجة ماسة إلى تحديد مكانة الثقافة والمعرفة في مسيرة التحرر الوطني الفلسطيني
عبر سياسة وفلسفة واضحة لوزارة الثقافة، و تآزر بين الإعلامي والثقافي والأكاديمي
والتجاري، حيث أن المعرفة والثقافة أهم محاور القوة الناعمة كوسيلة لإثبات مكانتنا
ومساهمتنا الحضارية، والنضال الثقافي لا يقل شأنا عن أي شكل آخر من أشكال النضال، بل
إن الخاسر ثقافيا سيخسر كثيرا وربما بالضربة القاضية أما الخاسر عسكريا فلديه فرصة
أخرى في معركة أخرى
اياد شماسنة
تعليقات
إرسال تعليق