بسم
الله الرحمن الرحيم
"الكتابة:
فعل اعتراف. والرواية: معادلة كيميائية يتم ابتكارها، فإما أن تحقق اكتشاف حجر
الفلاسفة، أو تنفجر في وجوهنا، أو تتركنا مشغولين بمغامرات أخرى في عالم ورقي.
بعد مغامرتي الإبداعية
في رواية "امرأة اسمها العاصمة" وما قدَّمْتُه من كيمياء الأنثى
والمدينة،
سأعترف
أمامكم
بما
ارتكبتُ المساحاتِ الخَلْفِيّةِ لمكتبي. وأنا أكوِّنُ المخلوقات الحبريةِ الخاصَّةِ
بالرِّوايةِ.
سأعترف أن
اللغة أنثى، لذلك اتخذتها أمّا، ثم حبيبة ثم بنتا،ثم جعلت من اللغة رواية، واتخذت من الرواية بيتاً،
لكن بيتي هذه المرةِ تسكنُهُ الأُنْثى مُجَسَّدَةً في ثنائِيَّةِ المرأَةِ والعاصِمَةِ:
المرأة التي أحب، والعاصمة التي أعشق إلى الأبد.
هذه الرواية أرهقتني،
أو كما قال نزار قباني "دوختني". لذلك؛ تجدونها بعد أن وثقتِ انتصارَها
عليَّ، وسجلت هزيمتي المدوية؛ أرخت جدائلها مع فضة الضوء، واتخذت اسمها مقترنا بالمرأة
والعاصمة.
لكني وقفت؛ وقد
رددتُّ عليها، واكرر أمامكم اقتباساً ممّا قالَهُ " دي مونتين: "بعض
الهزائم قد تكون أكثر مجداً من الانتصارات."
و رغم ذلك لازلت مصرا أن لي عند كل واحد من مكوناتها ثأرا،
أقله ثأر حساسية العين التي تصيب الكاتب وهو يطارد الشخصيات ويدللها.
لقد كنت اعتني
بتفاصيلهم بشياطينها وملائكتها، أهذب أرواحهم، أؤلف بينهم، اقتلهم,أحطم قلوبَهم ثم
أعالجُهم. أَحشُرُهُم في الحياة, العواطف, التاريخ, الأشياء والناس , ثم أفسح لهم
المجال ليتحركوا، فينقضون علي؛ ويقتلونني. وبما أن كل رواية هي خطة مثالية أدرجت
في عالم الواقع، كما يقول "بورخيس"، فقد أكملت خطتي، للوصول إلى قلوبكم.
ولا أخفيكم أن عددا
من مخططاتي اندست بين السطور، وان عددا منكم سيجد نفسه هنا، وربما سيحاول الانتقام
مني؛ لأني نكأت له جراحاً ، وآخرون سيقترحون أو يلومون، وأنا اتفق معكم جميعا،
فالرواية لكم بعد اليوم، وليس لي منها إلا التعب.
لقد عاتبني أخ
لشهيد، وقال أني نكأت له جرحا وهو يذهب إلى رام الله لإحضار أمتعة أخيه الشهيد،
وعاتبني ناشر على ما قمت بتفجيره من نوايا ومن ممارسات لدىكثير من صناع
الثقافة والحبر.
لكن الأشد وقعاً
كان عتاب السياسيين الذين طالبتهم إحدى الشخصيات أن يعقدوا جلساتهم التفاوضية في
زقاق مخيم، بالطبع فان تلك المطالبة تقلل من انجازهم التاريخي العظيم.
إن اخطر ما في
هذا العمل هو أن الشخصيات أصبحت ناكرة للجميل، ترفض الانصياع، لكني أدركت بلاغة "ميلان
كونديرا" وهو يقول: الشخصيات المتمردة على كاتبها لا تصبح بعد الآن ملك
الكاتب، ولا ملك قلمه، إنها. بكل بساطة، شخصيات تحاول اختراق عالم الورق خروجا إلى
واقع موازٍ" ولذلك أيضا فأنا لا
أتحمل مسؤولية عمل أي شخصية من شخصيات هذه الرواية المجنونة.
كما علي أن أكون صريحا
معكم، فالقارئ قد لا يجد الإحساس المدهش بالغفران، ولا السلام الدافئ للعواطف، ولا
التسامح بين الإنسان ومحيطه، كل ما قد يقابله يجعله يتخلى عن حالة الحياد، وأن يرى
الناس كما هم في الحقيقة، وان يخوض المعادلة الكيميائية ويخرج متضامنا مع الشخصيات
لأني قلبت عليه الرواية، لم اكذب عليه، ولم أجامله.
أخيرا: سوف أشكو
لكم الآن دنيا الأنصاري، وهي تعيد تجسيد المدينة الأنثى، وهي تنقل لنا، عبر ألمها
الكامن في العمق وعبر هزائمها، ما نعيد تكراره "يومياً" كعرب وفلسطينيين
من ازدواجية الولاء والانتماء.
سأشكو راوية
المغربي، وهي الحب البديل والأنثى البديلة، وهي الهرب الأليم وهي، في ذات الوقت، التي
منحت بلا مقابل ولم تجد ثوابا لتفانيها.
كما أشكو إليكم
احمد العربي، وأمه وجدته، وأصدقاءه، وتاريخه، وعالمه الخاص: بنسائه وأحلامه
وتأملاته؛ وهو يتجول في جغرافيا العالم الحبري متزلجا على الصفحات، بقصيده
ومذكراته، ومغامراته بين القدس ورام الله وجنين، بين المخيم والحرم، وبين أوبرا
تشايكوفسكي، وحوارات دافينشي، ومع خالد الشيخ في"عيناك وتبغي وكحولي".
في النهاية؛
اعرف إني، وقد أودعت هذه الرواية لدى صديقي "جهاد أبو حشيش"، فلن أنال
من ثأري شيئا، ولن استطيع مما اخترعت خلاصا، لقد انتصرت هذه الرواية علي، وأنا
سعيد بهذه الهزيمة، التي أرجو أن تكون مدوية .
والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
إياد
شماسنة
تعليقات
إرسال تعليق