التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مصطلح "قدس الأقداس"،إغواء اللغة، وعمق الخديعة

بقلم :إياد شماسنة
بناء مؤسسات وتنمية بشرية
تتجه أنظار المسلمين في كافة أرجاء الأرض الى بيت المقدس وما فيه، حيث أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الذي لا تشد الرحال الى إلا ثلاث، المسجد الأقصى احدها مصدقا لما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى  وفي رواية  ( ومسجد إيلياء .
يشكل بيت المقدس مكانة هامة في وعي وعقيدة المسلمين على اختلاف ألوانهم، ومشاربهم، وحتى فرقهم ومذاهبهم، ومهما تردى الوضع السياسي العربي أو نظيره في الدول الإسلامية ، إلا أن مكانة الأقصى وسلامته تقع على رأس الأولويات، الشعبية والجماهيرية على الأقل
وقد حملت مدينة القدس عددا من الأسماء منذ نشأتها ،واختلفت من لغة الى أخرى كان لكل اسم دلالته منها "أورسالم "أوروشالم" (مدينة السلام) كما أسماها العرب الكنعانيون ،ويبوس، وايلياء، نسبة إلى إيلياء بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام، وأعيد إطلاق اسم إيلياء على القدس في زمن الإمبراطور الروماني "هادريان"، وبدل اسمها إلى "إيليا كابيتولينا"، وصدر الاسم "إيليا"، وهو لقب عائلة هادريان، و"كابيتولين جوبيتر" هو الإله الروماني الرئيس، وظل اسم "إيليا" سائداً نحو مائتي سنة،ثم جاء الإمبراطور "قسطنطين" المتوفي عام 237م فتنصر وأعاد للمدينة اسمها الكنعاني،، والقدس، وبيت المقدس، والقدس الشريف،رد في سجلات الفراعنة اسم "يابيثي كما وردت في الكتابات المسمارية على هذا النحو (أورو ـ سا ـ ليم)، وهو ما يوافق اسمها في الآثار الأشورية منذ القرن الثامن ق.م (أور ـ سا ـ لي ـ أمو(
كما نجد أن أقدم الأسماء العبرية، التي أطلقت على المدينة هو (شاليم)، ثم اختصر إلى (ساليم) أو (أورشليم). ثم تطور الاسم فصار يُنْطق (يوروشالايم( ،وقد ظلت تعرف بالاسم الروماني "إيلياء" حتى الفتح الإسلامي. وقال ياقوت في "معجم البلدان" إن "إيلياء" و"إلياء" اسم لبيت المقدس، ومعناه بيت الله
وقد ظهر منذ مدة الى الساحة الأدبية والفنية والسياسية مصطلح جديد لم يكن من أسمائها القديمة العربية أو العبرية، ولم يستخدم للدلالة عليها في لغة من اللغات وهو "قدس الأقداس".
 وقد تم إحصاء العديد من الأسماء الفنية أو الأدبية التي استخدمت الاسم بدون الانتباه الى دلالته وخطورة استعماله، نذكر منهم  الفنان احمد قعبور في أغنيته الشهيرة "سموني لاجئ" والفنانة شهد حوشان حيث غنت "قدس الأقداس" من كلمات علاء حسين الأديب؛ وذلك في مهرجان إحياء ذكرى النكبة في كفرمندا، ووجدنا أيضا أغنية أخرى بنفس الاسم للفنان خالد داوود أبو المهند.
ومن الملفت للنظر انه حتى المؤسسات الفنية الكبيرة مثل شبكة بسملة الإنشادية وفرقة البراء الفنية غنت "يا قدس الأقداس" من إخراج هشام غيث، وأضاف الفنان يوسف البدر تجربة أخرى بنفس الاسم ، كل ذلك على سبيل المثال لا الحصر ، فالأمثلة وافرة وموثقة وكثير منها على موقع اليوتيوب.
ما هو قدس الأقداس
يطلق مصطلح قدس الأقداس على مكان بالغ القدسية في المعابد ، فعند الفراعنة  كان قدس الأقداس  في معبد "مدينة هابو" هو الجزء الخاص بثالوث طيبة المقدس ، ومعبد "مدينة هابو "هو المعبد الجنائزي الذي شيده رمسيس الثالث لإقامة الطقوس الجنائزية وعبادة معبودهم أمون
قدس الأقداس في الهيكل اليهودي المزعوم
هو حجرة خاصة جدا في قلب المعبد يوضع فيها تابوت الشهادة، وتابوت الشهادة عبارة عن صندوق مجوف من خشب السنط مغشّى من الداخل ومن الخارج بذهب نقي، غطاؤه من ذهب  يسمى بكرسي الرحمة ، ويعلوه ملاكان من ذهب باسطان جناحيهما، ويوضع داخل التابوت لوح الشهادة وقسط من المن وعصا هارون التي أفرخت، ويسمح فقط لرئيس الكهنة بالدخول الى قدس الأقداس مرة واحدة في السنة وهو يوم الكفارة
لقد سبق وحذر الباحث عزيز العصا في مقال له نشر في القدس المقدسية بتاريخ 15/8/2010م من خطورة استخدام مصطلح قدس الأقداس، وفي حديث أثناء الاحتفالية السنوية للقدس عاصمة للثقافة العربية جرت مداخلة أخرى من الباحث بعد أن تكرر استخدام المصطلح بدون الوعي بخطورته ، مما استدعى تدخل المفتي الشيخ محمد احمد حسين وأشار الى حرمة استخدام المصطلح وان لا قدس للأقداس في الإسلام
مكان الخطورة ، وسر المصطلح :
تقول الدكتورة هند أبو الشعر في ندوة بمنتدى الرواد الكبار ان اليهود يعتقدون أن صخرة قبة الصخرة عي موقع  قدس الأقداس في الهيكل وتوثق حديثا بالعودة الى " مدراش تنحوما، الفصل العاشر" حيث يقول هذا الكتاب:
كما توضع السرة في مركز الجسد البشري كذلك فان ارض إسرائيل  سرة العالم ، وأورشليم هي مركز ارض إسرائيل ، والمزار موجود في مركز أورشليم، والمكان المقدس في مركز المزار ، والتابوت في المكان المقدس، وحجر الأساس أمام المكان المقدس لأنه منه تأسس العالم"
خبير الآثار المقدسي د. إبراهيم الفني قال أيضا في الندوة أن إسرائيل قد أحضرت بابا لكنيسة قديمة من أثيوبيا لوضعه في الصخرة المشرفة بعد الاستحواذ عليها  تمهيدا لإعلان قدس الأقداس ، وأشار الدكتور الفني أن صناع القرار في إسرائيل قد حددوا عام 2013 كموعد نهائي للاستحواذ على قدس الأقداس
بالطبع فان المراقب لحال القدس ، يرى السير الحثيث في تهويد المدينة وإنشاء الكنس المحيطة بالمسجد الأقصى ، وليس "كنيس الخراب: بأولها ، يستشرف الخطورة في الترويج لمصطلح قدس الأقداس بحيث اذا جاء وقت الإعلان عن الصخرة المشرفة حاضنة لقدس الأقداس، كان الأمر عاديا ومألوفا ومتوغلا في الفكر  الغربي والعربي
وقد حذرت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث في خبر جاء على موقع شبكة الجزيرة بتاريخ 2013/10/15  إنها كشفت مخططاً وخريطة لتقسيم زماني ومكاني وإقامة كنيس على خُمس مساحة المسجد الأقصى في الجهة الشرقية منه، ويبدأ من مدخل المصلى المرواني وينتهي عند باب الأسباط.
وأكدت مؤسسة الأقصى أن يهودا جليلك، وهو رئيس ما يسمى "صندوق تراث جبل الهيكل"يروج لفكرة تقسيم الأقصى والسماح لليهود بالصلاة فيه، وفكرة بناء الهيكل المزعوم مكان قبة الصخرة المشرفة، ويقف "جليلك" على رأس الاقتحامات اليومية لباحات المسجد المبارك بصفته مرشدا للجماعات المتطرفة.
"رئيس صندوق تراث جبل الهيكل يروج لفكرة تقسيم الأقصى والسماح لليهود بالصلاة فيه، وفكرة بناء الهيكل المزعوم مكان قبة الصخرة"
كما أشارت الى ان "غور غيلون" وهو مرشد للجماعات اليهودية المتطرفة يدعو لاقتلاع قبة الصخرة من مكانها، حيث يقول "سمعت الحاخام إيتان يقول إن العرب وضعوا دائرة في أعلى قمة القبة ليكون من السهل انتزاعها".
المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا قالت انه تم تركيب كاميرات مراقبة على مساحات خاصة من الأقصى  وخصوصا منطقة الجامع القبلي المسقوف، ومصلى المتحف الإسلامي، ومنطقة الكأس، ومسطحات المصلى المرواني، ومساطب العلم المنتشرة بالناحية الغربية والجنوبية والوسطى من المسجد، مما يجعل المصلين داخله تحت المراقبة الدائمة.

وأخير فقد نشر على الكثير من المواقع فيلما يجسد هدم قبة الصخرة وإقامة الهيكل من إنتاج إنتاج وزارة الخارجية الإسرائيلية ، في توضيح هام جدا لما يحيق بالصخرة المشرفة  من مخاطر ، وما يمثله مصطلح قدس الأقداس من تداعيات ، الفيديو موثق على موقع اليوتيوب تحت الرابط التالي

https://www.youtube.com/watch?v=8l2vV73MSFM

 

15\11\2014



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موسم النبي روبين في جنوب فلسطين بلدة ومقام النبي روبين عام 1935

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

الأولى   فنون حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان  2018-08-01 10:00:00 المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان إياد شماسنة كاتب وشاعر من فلسطين  "أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض. عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن ال...

رحلة ايفا شتال الى فلسطين عبر مخيم تل الزعتر

" حدود المنفى " (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر) جوتنبرج 14.01.19 أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 "لقاءات"، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين) . لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال . نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: "هذه هي حياتنا" "هذا هو الاحتلال" أو "هذه هي إسرائيل "...