التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بين رواية الرقص الوثني ورواية عائد الى حيفا


 ديمة جمعة السّمان 

رواية "عائد إلى حيفا" ما زالت حيّة تسكن فينا، فقد استطاع الأديب الشّهيد غسان كنفاني من خلالها أن يضرب على وتر حساس موجع، فجّرت الأحاسيس والمشاعر الإنسانيّة لدى كل صاحب ضمير، وكم كان الشاعر والرّوائي إياد شماسنة ذكيّا حين ارتكز على هذا العمل الخالد وبنى عليه، ففاجأنا بجزء ثان حمل اسم "الرقص الوثني".. فالجرح لا زال ملتهبا لم يندمل بعد، عاد ينزف من جديد حين وظّف شخوص عائد إلى حيفا: سعيد، صفية، خلدون وخالد، فأكمل الرواية، ومضت السّنون، عرّفنا شماسنة إلى أحفاد سعيد وصفية، حيث زادت مشاعر التّيه داخل هذه العائلة المنكوبة، فالخسارات كانت متتالية، أكبرها الاضطراب في الهويّة، والّتي لا زال الاحتلال يسعى إلى محوها، وبالتالي تذويب الشّعب الفلسطيني في المجتمع الاسرائيلي داخل الوطن، أو حتى في المجتمعات الأخرى إن كان لاجئا في الشّتات، قاصدين محو أعدل قضية على وجه الأرض، وبذلك تتعمق مأساته.. فيعود يسأل: من أنا؟ وهو السّؤال الأكبر الذي تعثّرت الإجابة عليه، فتوسّعت الهوّة، في ظلّ معادلة تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، تعدّدت فيها العناصر التّائهة عن تحديد الهدف، فلا قاعدة ولا جذور ينطلقون منها ليرسموا طريقهم وقناعاتهم، تأرجحت قيمهم فسقطوا في هوّة الضّياع.
رواية "الرقص الوثني" أدخلت القاريء إلى البيت اليهودي والفكر اليهودي العنصري، أجابت على العديد من الأسئلة التي تعدّدت فيها الاجابات ولم تكن شافية.
من الواضح أن شماسنة بذل مجهودا كبيرا في جمع المعلومات الغنية التي قدمها للقارىء على طبق من فضة. فلا شك أننا أمام أديب مثقف كتب رواية تزخر بالعديد من المعلومات السياسية والتاريخية والدينية والاجتماعية والدّيمغرافية والفسيولوجيّة والسّيكولوجية، الّتي بثّها عبر عمله الابداعي لخدمة رسالته. الأديب عرّى المحتل.. وكشف مؤامراته الخبيثة، ووصف الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي من وجهة نظر الطّرفين: الذّئب والحمل. 
ولن ننسى أن الأديب يعمل في مجال التمريض، كما أنه يحمل شهادة الماجستير في التنمية البشرية، فارتكز على هذه المعارف؛ ليقدم لنا شخوصا أتقن رسمها على شتى المستويات الاجتماعية والصحية والنفسية، فكشف للقارىء عن مكنونات صدر كل واحدة منها، فبدت مقنعة جدا للقارىء، تدرّج تطوّرها بتسلسل سليم، لم تكن مقحمة أبدا، ولم يجعلها تتحدث بلسانه، انفصل عنها، فاستقلّت وتمرّدت، وبدت منافسة للكاتب دون أن يفقد السّيطرة على تحريك خيوط البناء الرّوائي، بل جعلها تصبّ في خدمة هدف الرّواية، وهذا يشير إلى أن الأديب يمتلك قدرة متميزة في الفن الرّوائي تماما كما هو مبدع في فن الشعر. 
أمّا عن الخيال، فقد دمجه مع الواقع، وبفعل الأحداث السّاخنة الّتي تحبس الأنفاس، ذابت الشّخصيات الحقيقيّة بالشّخصيات الخيالية.. فخرجت لوحة فنية بديعة.. شكّلها شماسنة كما أراد لها أن تكون. 
أما عن اللغة فكانت سرديّة جميلة، سهلة ممتنعة، أغنى الوصف الدّقيق عن الحوار الذي لم يعطه الكاتب عناية تذكر.
"الرقص الوثني"رواية بمثابة "صرخة" أن اصحوا، فالمرء دون هوية كالفرع المقطوع من شجرة، تعبث فيه الرياح، وهذا ما يسعى إليه المحتل، ليبقى الفلسطيني يشعر بالغربة حتى وهو في عقر داره.
وفي الختام، الرواية تعتبر إضافة نوعية للمكتبة العربية التي تفتقر لهذا النّوع من الروايات

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موسم النبي روبين في جنوب فلسطين بلدة ومقام النبي روبين عام 1935

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

الأولى   فنون حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان  2018-08-01 10:00:00 المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان إياد شماسنة كاتب وشاعر من فلسطين  "أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض. عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن ال...

رحلة ايفا شتال الى فلسطين عبر مخيم تل الزعتر

" حدود المنفى " (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر) جوتنبرج 14.01.19 أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 "لقاءات"، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين) . لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال . نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: "هذه هي حياتنا" "هذا هو الاحتلال" أو "هذه هي إسرائيل "...