اياد شماسنة – فلسطين
لم
تكن الجبال لتلقي وتتعانق رغم المسافات كما تتلاقى القلوب ، أجمل وأكثر بهجة مما
هي في العناق الأبدي بين الجزائر وفلسطين، ذلك ان ملح الجرح واحد وسكر الحب واحد،
وبينهما ملائكة تحرس القلوب، فيهتف الجزائري باسم فلسطين، ويدعو الفلسطيني. في
المسجد الأقصى لمجد الجزائر، وينبض القلب المغاربي بالدم العربي الفلسطي.
وكأننا
خلقنا لنلتقي، نتواصل، نكون معا، منهم أمير ومنا أمير، منهم عبد القادر الجزائري
ومنا الحسيني، بطل وبطل، شريف وشريف، لكم ثوراتهم ولنا ثوراتنا، الاحتلال الحبان
المجبر، المحو والانشاء في كل تجربة، القسوة والجبروت، دوام النضال من اجل الحق
والحرية والعدالة، الخيانة ذات الخيانة، والاعداء نفس الأعداء، حتى الانشقاقات
والاخفاقات، والردة تتشابه، وكأننا خلقنا معا بنفس الهدف والمصير، رغم المسافات.
الجزائر
أم وأخت وصديقة، والامهات محبات وفيات، عهد الثوار للثوار والاحرار للاحرار . عرف
الفلسطيني حب الجزائر ومنحها ما يقابله، فاحتضنته ثائرا وسياسيا وشهيدا ولاجئا
وطالبا للعلم والتدريب، وصار بين الفلسطيني نسب ومصاهرة، فامتدت الجسور من قسنطينة
الى خليل الرحمن ومن عنابة الى القدس، وعبرت الأثير رسائل الاباء والأعمام
والأقارب، وصار عم في فلسطين وخال في الجزائر، ثم صارت مفردات اللهجات ملحا وسكرا
بين الأهل ، فنقول ""بزاف" في بيت لحم، ونطبخ المقلوبة الفلسطينية
في العاصمة الجزائر. يحضر العلم الجزائري المواجهات المشتعلة بين الشبان
الفلسطينيين وقوات الاحتلال في الضفة المحتلة، ويحضر العلم الفلسطيني بشرف وسمو في
الجزائر.
بينما
يطتب الثوار تاريخ الحرية بالرصاص، يكتب الادباء تاريخ الرصاص بكامل الحرية ، فقد
كتب : محمد العيد، ومحمد جريدي، ومفدي زكريا، وغيرهم قصائدهم في مجلة
"الشهاب"، ، أما الروائيون، فكانت القضية حاضرة في روايات واسيني
الأعرج، والطاهر وطّار، وأحلام مستغانمي، فيما قابلهم شعراء وأدباء فلسطين
بالكتابة عن الجزائر، فكتب الشاعر الفلسطيني سليم النفار: غداً.. سيجيءُ من رحم
السماء، فلنا خيولٌ.. ها هنا.. فرسانها جيشُ الإباء.. شعبُ الجزائر.. لو تنادي:
كلّهُ الشهداء.
وعبر
السنوات ـ ظلت ثورة الجزائر نبراسا وملهما لكل فلسطيني حر، يقول القائد الفلسطيني
ابو اياد “بدأنا الالتفات خلال هذه الفترة، التي أثارت فينا من الإحباط أكثر ما
أثارت فينا من الرضا، بالتطلع إلى مشروع كان يبدو لنا حتى الساعة، قبل قيام الثورة
الجزائرية، من قبيل الأحلام، فالوطنيون الجزائريون كانوا قد شكلوا منظمة تخوض
الصراع ضد الجيش الفرنسي منذ سنتين، فكانت المعارك البطولية التي كنا نتابعها عن
كثب، تذهلنا وتملأ نفوسنا إعجاباً، وطوال سهرات طويلة كنا نطرح على أنفسنا مسألة
ما إذا لم يكن في وسعنا نحن كذلك أن ننشىء حركة واسعة تكون ضرباً من الجبهة التي
تضم الفلسطينيين من جميع الاتجاهات.. بغرض إشعال الكفاح المسلح في فلسطين”.
وعبر
تاريخ الثورة الفلسطينية؛ ظلت الجزائر أهلا وترابا وشعبا وحكومات ترى فلسطين نخلة
وذراعا وقلبا، ينبض ويبحث عن الحرية، فشاع انها اعترفت بفلسطين قبل الفلسطينيين
انفسهم، وقاتل الثوار مع فلسطين فاعتقلت اسرائيلً في شباط 1988 أربع جزائريين
كانوا ضمن قوى الثورة الفلسطينية. بعد إعلان الاستقلال الفلسطيني في 15 نوفمبر
1988، كانت الجزائر أوّل دولة تعترف بدولة فلسطين وذلك في نفس يوم إعلان الاستقلال
وقامت بإنشاء علاقات دبلوماسية كاملة معها بحلول يوم 18 ديسمبر 1988. ومن
المعلوم ان الشيخ عبد الحميد ابن باديس "رائد النهضة الاسلامية في
الجزائر"، الذي أفتى بوجوب نصرة القضية الفلسطينية، والمناضل بشير بومعزة كان
يهرب الأسلحة إلى الحركة الوطنية الفلسطينية في ثلاثينيات القرن الماضي. أمّا
المجاهد الشاذلي مكي فكان يشرف على تدريب وتوصيل المجاهدين إلى فلسطين عام 1948.
وقد
جمع الفلسطينيون التبرعات دعما للثورة الجزائرية من قبل ، وانطلقت الحملات من مخيم
لمخيم، شهدها في الدهيشة الكاتب اسامة العيسة صغيرا، و في العام 1982 استقبلت
الجزائر 588 مقاتلا فلسطينيا، بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وفي
15-11-1988 أعلن الشهيد ياسر عرفات من قاعة الصنوبر في مدينة الجزائر العاصمة،
استقلال دولة فلسطين، وهي الوثيقة التي كتبها الشاعر الراحل محمود درويش.
وهكذا
، عبر السنوات، طبق الفلسطينيون والجزائريون مقولةالرئيس الراحل هواري بومدين 'نحن
مع فلسطين ظالمة أو مظلومة'. انها الجزائر نحبها، ولأنها فلسطين، القلب
الثاني للجزائر، وطن لوطن وعاصمة لعاصمة وشعب لشعب، للشعب الفلسطيني امتداده
الجزائري، وللحزائر امتدادها الفلسطيني، وكأنما تلتقي القمم استثناء في الحالة هذه
كما تلتقي القارات الكبرى في الحوادث الكبرى.
انها
الجزائر ، نحبها ولا نشفى من حبها وحب من يحبها،ونعرف انها تحبنا، رصاصتان في
بندقية، كنا وسوف نبقى، هناك كتب نص إعلان استقلال الدولة الفلسطينية عام1988م،
وعنها قال محمود درويش عام 2005 أن “هذا الشعب الذي قام بثورة لردع أعتى قوة
استعمارية يستحيل أن يستقيل من الحياة".
وفي
زمن الهرولة والتطبيع العجيب لدول لا حدود لها ولا حرب ،يقول الخبير الاستراتيجي
الإسرائيلي عاموس هرئيل: "الجزائريون من أكثر الشعوب العربية كرهاً لدولة
إسرائيل، وهم لديهم الاستعداد للتحالف مع الشيطان في وجهنا، إنها كراهية عجزنا عن
إزالتها طيلة العقود الماضية، كما أننا فشلنا في القضاء على هؤلاء الأعداء الذين
لم ندخر جهداً من أجل دحرهم أو القضاء عليهم"!.
تعليقات
إرسال تعليق