التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقابلة في السياسة الكويتية اجرتها الاعلامية سجى العبدلي مع الروائي اياد شماسنة

الى القديرة سجا العبدلي المحترمة

1.   ما القضية الجوهرية التي عالجتها روايتك "امرأة أسمها العاصمة"؟
أطلق الأديب المقدسي إبراهيم جوهر على هذه الرواية مسمى"رواية الفلسفة الفلسطينية"، بينما قال الناقد عزيز العصا أن" الروائي فيها يُعنى بالنموذج المعرفي للأدب؛ الذي يثري وهو يقدم السرد الى قارئ متعطش للفلسفة والفكرة". لقد قامت الرواية على  سرد دافئ،  تبحر به شخصيات متميزة ثقافيا، لتناقش بلغتها  وعبر أسئلتها الحالة الفلسطينية والتحديات الوجودية  تحت الاحتلال.
 بما أن  "لورانس داريل" يقول أن "ثيمة الرواية هي ثيمة الحياة نفسها"، يمكننا القول  بأن القضية الأساسية التي بنيت عليها الرواية هي" ازدواجية الولاء والانتماء"، التي تميز الفلسطيني، الانتماء للمرأة والعاصمة والمكان والتراث، للوطن الأم والوطن المضيف، للمشروع التاريخ ، والحل المؤقت .
 تؤكد الرواية، بشكل غير مباشر، أن الفلسطيني يتميز بوفائه لكل مضيفيه وبعمق انتمائه للأماكن التي نشأ فيها في منفاه، بالإضافة الى الانتماء المقدس لفلسطين بكامل ترابها وتاريخها .ثم برزت مجموعة من القضايا الحساسة، ثقافيا واجتماعيا، على شكل تحديات  في ثنايا الرواية، وقد تجسدت في العلاقة بين أبطال الرواية؛ حيث أن ابن القدس يعشق فتاة من حيفا، إلا أن  ابنة حيفا تزوج ابن "العاصمة بصديقتهم المشتركة من رام الله. إنها ثلاث مدن بما تملكه من دلالات في الجغرافيا والتاريخ الفلسطيني.
2.   ما  رمزية  غلاف  الرواية؟ وهل  قصدت الإشارة هنا الى فلسطين  وهي في حالة تمرد مستمر على  المحتل؟
غلاف الرواية من تصميم الفنان نضال جمهور، بينما اللوحة من إبداع الفنان الأمريكي فريدون رسولي؛ الإيراني الأصل، بما يملكه من تراث روحي يتصل بجلال الدين الرومي وعمر الخيام. اللوحة الأساسية تحمل عنوان "ولد حرا" وهي بألوانها المكونة أساسا من الأبيض؛ الذي يعتبر تاريخيًا كإشارة للنقاء والعذرية، والأحمر الذي يشير الى الحب، بالإضافة الى الخطر والتحذير. كما يتلاقى اسم الرواية، بما تحمل من رمز الأنثى، بحالتيها "المرأة والمدينة " وهما يتبادلان الدلالات، ليمنح تفسيرا لما هي رؤية الفلسطيني، ولما يجب أن تكون عليها مكونات قضيته الأساسية التي يستمر بها. وهي المرأة، والعاصمة. وقد تقدمت الرواية جملة هامة تلخص ذلك: "متى ما أضعنا الأنثى العاصمة ستضيع، الى الأبد، الأنثى المدينة".  
3.   ما سبب المقاربة ما بين  الماضي البعيد متجسداً  بالحضارة  الأندلسية والواقع  الحالي بكل انكساراته وانهزاماته؟
باعتقادي‘ أن فلسطين بدأت تضيع حين ضاعت الأندلس، ثم استمرت  في الضياع في ظل تجاذب وتوازنات القوى العالمية آنذاك وحاليا. وحالة ملوك الطوائف الأندلسية تشابه الى حد كبير، حالة الدول العربية هذه الأيام، وقد انتهت حالة الطوائف بانهيارات متعددة انتهى آخرها بسقوط غرناطة، وأخشى أن يكون التاريخ قد بدأ دورته التالية، بينما لا زلنا لم نستوعب الدرس الذي يتبنى قانون"أثر الفراشة" حتى الآن، في ظل السكوت المطبق على القضايا الهامة في حياة الشعب العربي .
4.   بعد  حالة التهميش الذي تعيشه القضية الفلسطينية اليوم؛ بسبب سخونة الأحداث التي تشهدها المنطقة، هل تنجح الأعمال الروائية  في إعادة هذه القضية إلى الساحة ولفت الأنظار لها ولأحقيتها في النضال المستمر ؟ 
تعتبر الرواية اليوم  ديوانا جديدا للعرب بجانب الشعر ، الذي كاد يفقد تصدُّره للفنون ثم عاد من جديد، وهو الآن في حالة صعود، رغم ما يعتري صعود الشعر من تحديات . بالنسبة للرواية. فقد برزت مشاريع روائية،  بأجيال مختلفة، منها من هو  في بداياته، ومنها من له تاريخ في الأدب عموما وفي الرواية خصوصا .
 نظرًا لأن المساهمة الثقافية في الحضارة العالمية تعتبر مؤشرا على التحضر، فان الرواية، بما تعيد إنتاجه من قضايا, وتقدمه وتناقشه بشكل مباشر أو غير مباشر، تساهم في مزيد من الضوء، وان لم يكن كافيا وكاملا على القضية الفلسطينية من بابين:
أولهما: تؤكد المساهمة الثقافية للفلسطينيين، في شتاتهم وأوطانهم المضيفة، على أن الشعب الفلسطيني  شعب خصب  إبداعيا بجانب الخصب الثوري الذي يتميز به في تاريخ نضاله، وينفي انه شعب مُصَدِّر للعنف،  بل يؤكد أنه قادر  على المساهمة في الحضارة الإنسانية، ولدينا أسماء مبدعين  يحضرني منها سحر خليفة وإبراهيم نصر الله، وغيرهم، استطاعوا الانتقال من الحضور في الوسط الفلسطيني الى الانتشار واسعًا.
أما الباب  الثاني؛ فهو المساهمة في إعادة تشكيل الوعي الفلسطيني، في ظل التحديات الراهنة وحالة الكساد التي تعتري الحالة السياسية العربية. فقد قدم إبراهيم نصرا الله مثلا مشروع الملهاة الفلسطينية، الذي يعيد صياغة فهمنا للمراحل المختلفة  من التاريخ الفلسطيني، بينما يعيد كتّاب  شباب مثل "احمد أبو سليم"  إعادة الاعتبار للفلسطيني الثائر كإنسان؛ بعيدا عن الأسطورة، ويناقش انه إنسان عادي، وضحية على حق لها أخطاؤها وآلامها  وطموحاتها.


5.   هل أخذت الرواية  الفلسطينية حقها في الانتشار عربياً وعالمياً؟
للرواية الفلسطينية في الوطن معاناتها، وظروفها الخاصة، من ظروف المبدع الذي يعاني  في صراعه مع الاحتلال من جهة، ومن أجل لقمة العيش من جهة أخرى. ويترافق ذلك مع غياب الرعاية الرسمية للثقافة والأدب، وسيادة أولويات مختلفة؛ تراجعت أمامها الثقافة كوسيلة تشكيل للهوية، وكفعل مقاوم أمام أشكال المقاومة الأخرى، الذي تقود المنظمات الأهلية كثيرا منه بتمويل أجنبي.
أما الرواية الفلسطينية التي يكتبها أدباء فلسطينيون يعيشون خارج فلسطين، فنحن نشهد حالة تتوازى مع الحالة العربية وتتميز عنها أحيانا. فعندما نراقب القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، فإننا نرى أن أسماء فلسطينية مختلفة تترد فيها أولهم إبراهيم نصر الله ،، وقد تشرفت بمعرفة أسماء عديدة من الروائيين الكبار، مثل: الأستاذ جمال ناجي، واحمد أبو سليم، وراشد عيسى؛ لا تقل  رواياتهم عن الروايات المرشحة للبوكر، بالإضافة الى أننا لا نستثنى الرواية المكتوبة عن الفلسطينيين  بأيدي أشقاء عرب، مثل "الروائية المصرية د رضوى عاشور" في روايتها "الطنطورية".
أعتقد أن الانتشار محكوم بظروف السوق، ورغم أن كل كاتب يملك طموحا بالانتشار ، إلا أن أزمة النشر  وصناعة الكتاب العربي، وارتفاع أسعار الورق الذي نستورده ولا ننتجه تلقي بظلالها على انتشار الأعمال الروائية، ولا يغيب ذلك عن الحالة الفلسطينية داخل فلسطين أو خارجها.
6.   كيف  نجحت في  عملية التوثيق لكل من الزمان والمكان، في آن معًا، في قلب أحداث هذه الرواية؟
لا تهدف الرواية للتوثيق؛ وإنما هي بشكل أساسي تكوين جمالي يسلط الضوء على قضايا مختلفة ويناقشها، ويعتبر المكان والزمان ركنين أساسين من أركان الرواية الناجحة بل إن الزمان مما لا تقوم الرواية بدونه أساسا. وكل مكان أو  زمان يخدم، بالضرورة، القضية الروائية التي يناقشها، فهوية المكان تشكل جزءًا من هوية مجتمع الرواية.
رواية "امرأة اسمها العاصمة"، رواية مسرحها المكاني يتنقل بين حيفا والكرمل والقدس ورام الله وجنين، بينما زمانها الداخلي الذي تعيشه الشخصيات هو بين العام 2002 و2003؛ وهو العام الذي  قام فيه الاحتلال الإسرائيلي بإعادة احتلال الضفة الغربية، بعد حصار الشهيد أبو عمار في المقاطعة والتهديد بقتله، وما شكل ذلك من تهديد لرمزه الذي يجمع عليه كل فلسطيني.
 اعتقد أن الرواية تمكنت من بناء المشهد المكاني المناسب  لمناقشة القضايا الهامة، رغم ابتعادها عن التوثيق المباشر الذي ليس من هدفها، وكذلك استطاعت توضيح الزمن الذي جرت فيه الأحداث.
7.   هل  تعكس الأمكنة التي  ذكرتها في روايتك والشخوص التاريخية  فيها اهتماماتك الأدبية وإطلاعك على التاريخ،  بالتالي  خروج الرواية  لتعكس إرثك ومخزونك الأدبي،  أم أنك بحثت في هذه المدن وذهبت إليها لتكون شريكة أساسية وبطلة  من أبطال روايتك؟
الرواية الجيدة هي الرواية التي تتمرد على كاتبها؛ بحيث تقوم الشخصيات بتكوين رؤيتها الخاصة وطرح آرائها، لكن الأعمال الأولى للكاتب، وخصوصا الروائية، تشهد زواجا ما بين حالة الكاتب وحالة شخصياته بحيث نرى جزءًا منه في الرواية، وتتقاطع أراء الشخصيات وأفكارها مع آرائه.
الأمكنة والشخوص التاريخية جزء من المخزون الأدبي للكاتب أولا، ثم جزء من ثقافة الشخصيات المولودة في الرواية، باعتبارها شخصيات مثقفة: أدبيا وعلميا، وتمتلك وعيا حضاريًا وإنسانيًا. لذلك؛ فانه  لا بد للكاتب من أن يكون ملما بأبعاد القضية التي يناقشها؛ لكي يتمكن من خلق شخصيات قادرة على حمل القضية، دون أن تكون مجرد شخصيات كرتونية، أو شخصيات هشة.  كما أن الروائي الذي يكتب في منطقة مزدحمة بالتاريخ والقداسة لا بد ان يكون ملما بما يخوض به،  ويحضرني في هذا السياق"شخصية روبرت لانغدون" في روايات دان براون الذي يعرف كل شي عن الأساطير الدينية والتراث الديني والرموز المختلفة، بحيث يستطيع التعامل كشخصية أساسية مع العالم الذي يخوض الصراع فيه، وذلك ناتج أساسا من اطلاع الروائي، أو قيامه بجمع المعلومات قبل كتابة الرواية عن تلك الأماكن والرموز.
8.    تقول "لقد افترقت قلوبنا؛ فضاعت الأندلس ولم نفعل لها إلا البكاء، ثم تساقطت الدولة العثمانية، ولم نفعل إلا إذكاء الافتراق أكثر".. ورود  انهيار الخلافة العثمانية ضمن قائمة انكساراتنا  في هذه الرواية هو أمر، بكل تأكيد، سيثير خلافاً عميقاً؛ نظراً لما عاشه العرب من ظلم في ظل حكم الدولة العثمانية،. لماذا قررت دمج هذه القضية مع قائمة هزائمنا التي تطول؟
في البداية؛ كانت الدولة العثمانية مشروعا عالميا، يجمع المسلمين والعرب ومن حالفهم كافة . وعندما مرت بمرحلة النهوض نهض معها جميع من كان تحت حكمها، وعندما دخلت تحت مسمى الرجل المريض؛ عانى كل من تحت حكمها من القوميات المختلفة، ومنهم العرب الذين شكلوا الجزء الأكبر منها، وما حدث من ظلم تحت إدارة الدولة العثمانية يتكرر تحت ظل أنظمة عربية مختلفة، وربما كانت الدولة العثمانية أكثر رحمة في أكثر ظروف ترديها، من أنظمة قمعية نعرفها. ونحن لا نستطيع عزل الظروف العالمية عن الظروف العربية  أو العثمانية، وكما قلت في البداية فان مرحلة الضياع  الكبرى بدأت بسقوط غرناطة التي توازت مع صعود الدولة العثمانية. في تلك الأثناء قامت الدول الكبرى بالسيطرة على تراث الأندلس، العلمي والحضاري، ونهبه، وأقامت محاكم التفتيش الشهيرة، التي لم تلق تنديدا رسميا حتى الآن. ثم قامت بحملات عالمية لنهب الثروات بحجة الاكتشافات الجغرافية، مع أن المخطوطات تثبت أن كثيرا من المناطق كانت مكتشفة قبل حملات الاستكشاف، منها أمريكا التي ظهرت في خرائط الأسطول العثماني، ومكن  ذلك الدول من فرض هيمنة على مناطق من العالم. توسعت الدولة العثمانية، بشكل كبير، وقامت على نحو ما بتجميد هذه المناطق التي كانت أساسا تحت نفوذ أمراء المناطق من قبائل أو مماليك  أو ولاة، وتركت البلاد دون تطوير ، فاعتبر أهل البلاد ذلك أمرا حتميا بما أنهم ينعمون بالوحدة تحت راية السلطان الحاكم بأمر الله.
لكن الدول المختلفة، وأشهرها: روسيا وفرنسا وانجلترا وألمانيا، قامت بالتدخل كثيرا في الدولة العثمانية: سياسيا وعسكريا؛ لفرض شروط وسياسات، ودعمت سياسات انفصالية أدت الى زعزعة الأمن والانشغال بالسيطرة وإحكام القبضة، وإطالة أمد الصراع والغفلة عن صناعة التطور .

9.   هل يمكن القول أنك، ومن خلال هذا العمل، قد زاوجت ما بين الشعر والرواية؟ وهل أثر الحس الشعري لديك على كتابتك للرواية ؟
في رواية امرأة اسمها العاصمة اعتمدت نهج السرد الدافئ؛ ذلك النوع من السرد الذي لا يناقش  كيف يقوم البطل من مكانه ويفتح الباب، ثم يستقبل الضيف، بل تسأل: ما هو الباب، ومن هم الضيف، وما الذي  يجعل الباب بابا، ومعنى أن يكون مفتوح، وفائدة أو ضرر أن يبقى مغلقا؟ و يستعين هذا السرد بلغة دافئة، وبيان، وجزالة تلخص المعاني المختلفة في جمل، قد تصلح اقتباسات تترد في المواقع المختلفة.
 الشعر لدي فن مستقل، تماما، وكما لا تخالط الشعر الرواية؛ بمعنى لا نجد رواية كاملة داخل الشعر، فان الرواية عمل أدبي مستقل متكامل، الفارق أن الرواية قد تجمع ألوانا من الفنون في قالبها الإبداعي الذي تنصهر فيه لتكون الرواية، فيحدث أن نرى في الرواية قصيدة أو خاطرة أو رسالة.
اعتقد أن التنظير الأدبي  يجب أن يفرق بين اللغة الشعرية واللغة الشاعرية؛ فليس كل شاعرية شعر، ولا كل شعر يجب أن يكون شاعريا بالضرورة، والمسافة بينهما صغيرة جدا، إنما القصيدة الحقيقية التي اعرفها واكتبها لا تكتب رواية، أنا استعير من اللغة الشاعرية بعض الأدوات لخدمة الفن الروائي، وأوظف القصيدة داخل الرواية،  لكن يبقى هناك فاصل بين الشعر والرواية، ولكل منهما شروطه وأدواته ووظيفته الجمالية وطريقته في إثارة الدهشة.
خبرة الشاعر  تمنحه ميزة ما إن كان خبيرا بكتابة الرواية، وقد تورطه في تأملات  يعتبرها النقاد حشوا غير مرغوب فيه، ذلك يسمى بالمقاطع القرمزية، التي حين يتم حذفها لا يتأثر  فهمنا للراوية، وعندما تتم إزالتها من جمل ما يبقى المعنى واضحا مستقلا، لا اعتقد انه يوجد مقاطع قرمزية في رواية "امرأة اسمها العاصمة"؛ لان جميع ما كتب يخدم الفكرة الأساسية، بشكل مباشر أو غير مباشر .
10.                       الاحتلال الصهيوني كيف يقرأ الأدب الفلسطيني؟  فكيف يراه؟
الأدب الفلسطيني فعل مقاوم، وهو من مكونات وأدوات تشكيل الهوية الفلسطينية، ومساهم هام في صياغة الوعي الفلسطيني. وأنا أؤمن تماما بمقولة ابن خلدون: "أن رقي  الفن دليل على رقي العمران، وان انحدار الفن مؤشر بخراب العمران".
في الصراع مع المحتل، يتخذ الأدب دوره في المقاومة، وقد كان الاهتمام كبيرا بالعمل الثقافي عموما، والأدبي خصوصا، في مراحل النضال الفلسطيني من اجل الحرية، إنما في ظل المؤسسات التي تتلقى تمويلا أجنبيا  له أجندات مختلفة، منها المعلن ومنها غير معلن. لذلك؛ فان تشكيل الوعي شرط هام لتحقيق الأجندة الخارجية، وقد يتم تنحية أدباء أو مفكرين، كما حدث من عمليات اغتيال شهيرة لأدباء في التاريخ الفلسطيني.

أعتقد أن الاحتلال الصهيوني بارع في قراءة المؤشرات المختلفة ليحافظ على تفوقه على الشعب الذي يحتله. وكما قال وينستون تشرشل بعد الحرب العالمية الثانية"اليوم ابتدأت حرب الأدمغة"، فان الاحتلال يعرف أن حرب العقول  المبدعة معركة يجب كسبها؛ فيرصد المؤشرات الثقافية ويحللها كافة؛ لأنها البوابة الحضارية التي نقدمها الى العالم، وتقدمنا كضحايا على حق تبحث عن حريتها .

11.                      ماذا عن الشعر وعلاقتك به؟ حدثنا عن إياد شماسنة الشاعر؟
سؤال في غاية الصعوبة، فأنا أقول الشعر ـ أو  يقولني الشعر ونحن متفقان على ذلك، أما أن أتحدث عن نفسي فذلك أمر ليس باليسير لكني سأقتبس مما اكتبه الآن في كتاب سيصدر لاحقا بعنوان "اللهب الكامن في الأزرق" ليجيب على السؤال نيابة عني:
-          أنا يا صديقتي لا اكتب الشعر إطلاقا، أنا فقط انظر إلى السماء كيف رفعت، والى الأرض كيف سطحت، والى عينيك كيف خلقت، فأسبح بحمد خالقها جميعا، وعلى اثر ذلك تتداعى العصافير من كل الأصناف والألوان إلى غصن يدي، مسبحة معي فاختار منها النسق الجميل لكي تتحول إلى كلمات، تنام على حبال السطور، وبذلك تكون القصيدة".
-          تسألين عن وصفة ابتكار القصيدة، وأنا الذي يجب أن يسأل، أنا لا أفكر إلا في أنني يجب آن أكون لائقا بنفسي وبك وبالعالم وأنا أفصل لها رداءها، وأضعها في الكلمات والوزن الذي تستحق.
-          أنت يا ملهمتي تبتكرين القصيدة، أنت تضعينها في لا وعيي، ثم تحفزين الوعي على توليدها، وأنا، أنا الشاعر، من يتولى كسوتها، واختيار ثيابها الفاخرة، أو المتواضعة، ثم اختار لها العطر المناسب، أكونه بنفسي وأنثره بين الكلمات والموسيقى، ربما لذلك يحسب الناس أن الشاعر من يكتب القصيدة.

12.                      أنتَ بصدد إصدار مجموعة شعرية  بعنوان "حدائق الكريستال"،  بماذا تميزت وما أهم المواضيع التي عالجتها؟
تأتي مجموعة حدائق الكريستال بعد ثلاث سنوات من إصدار ديوان "التاريخ السري لفارس الغبار " الذي كان  التجربة الأولى التي خضت بها عالم النشر ،  لذلك تم اختيار  قصائد "حدائق الكريستال" بخبرة اكبر ، تطورت فيها وتقدمت الرؤيا، وأزعم أنني امتلكت فيها ناصية القول أكثر ، أصبحت القصيدة حالة إبداعية تقول نفسها على لساني بموسيقى أكثر تناغما بين العناصر الجمالية المكونة للقصيدة.
جميع القصائد في الديوانين تمتلك الوزن الشعري المتعارف عليه عربيا، تتنوع بحورها بين عدد لا بأس به، وتعالج قضايا شتى، معظمها إنساني بالدرجة الأولى، وإن تعددت الثيمات التي تم التناول من خلالها،  إلا أن موضوعها "الإنسان الفلسطيني أولا والعربي ثانيًا، والإنسان عموما".

13.                      ماذا نقرأ حين يكتب الشاعر الرواية وحين يكتب  الروائي الشعر؟ وحين يعيش الحالتين في آنٍ؟ 
عندما يكون الروائي خبيرا؛ عارفا بأدواته متقنا لشروط فنه، سنقرأ روايات في غاية الجمال كما قرأنا لأحلام مستغانمي وإبراهيم نصر الله، وهم شعراء كتبوا رواية ونجحوا فيها، وربما كان نجاحهم فيها أكثر من نجاحهم الشعري، بعض الأدباء اكتفى بإصدار شعري واحد ثم تحول تماما الى الرواية كما فعل أمير تاج السر، أما تحول الروائي إلى كتابة الشعر  فذلك أمر عسير؛ لان الشعر فن خاص لا يمنح لأحد زهرة الشعر إلا عند وجود الموهبة، عكس السرد الذي يمكن التجريب فيه.
وعندما قرأت روايات كتبها شعراء، وجدت خيالا خصبا ورائعًا، ودهشت من العوالم الجميلة، والمفاجآت التي حظيت بها في صفحاتهم، وآخر رواية سيرية قرأتها للشاعر  راشد  عيسى، والتي  عنوانها "مفتاح الباب المخلوع"، فوجدت  زواج الحالتين عن كاتب خبير عارف بأدواته و كانت النتيجة من حظ الأدب ومن حسن حظ القارئ، أما اختلال التوازن بين الرغبة في الكتابة وامتلاك الأدوات، فسيُنتج نصا تأمليا شاعريا لا  يحقق شروط الرواية ولا يتمكن من الاستحواذ على القارئ.

14.                       ماذا عن كتابك الذي سيصدر قريباً بعنوان "الإدارة الدقيقة والقدرة التنافسية للموارد البشرية"  ما الثيمة الأساسية له؟
يدرس الكتاب مفهوما جديدا على الأدبيات الإدارية باللغة العربية وهو "الإدارة الدقيقة" التي قمت بتعريبها من اللغة الانجليزية " micromanagement""؛  والتي تعرف بأنها النمط الإداري الذي يتضمن تدخلا، بشكل مبالغ فيه، بدون الحاجة الفعلية لذلك، إما في التخطيط للعمل، أو في طرق تنفيذه، أو في العمليات الإشرافية المصاحبة له. وينتج ذلك عن الخوف من الفشل، أو الرغبة في الإنجاز، ويترافق مع عدم الثقة بالمرؤوسين وعدم تفويضهم، لأسباب قد تكون نفسية أو إدارية أو ثقافية أو تكتيكية، بالإضافة إلى عدم التسامح مع الأخطاء، مما يؤدي إلى فقدان المرؤوسين إحساسهم بأهمية العمل، وثقتهم بقدرتهم على الأداء، و الإبداع، وبالتالي توجيه الجهد إلى إخفاء الأخطاء بدل تقديم الابتكار.

وتعتبر الإدارة الدقيقة نمطا إداريا مسؤولا عن الكثير من مشكلات المنظمات، و تصلح أن توصف بأنها "ضد الإدارة" او"إدارة السقوط"، وقد أشارت الدراسات أنها تؤثر بشكل كبير على إنتاجية الموارد البشرية وإبداعها، وبالتالي قدرتها على المنافسة، مما يحرم المنظمة من الميزة التنافسية الأثمن التي تمتلكها وتقدمها مواردها البشرية. لهذا النمط الإداري العديد من الأسباب بعضها متعلق بالمنظمة نفسها وبعضها راجع لشخصية الموظف أو البيئة والثقافة التي ينتمي إليها، المشكلة في هذا النمط أن ممارسيه يعتبرون أنهم يضبطون العمل مثل الساعة، بينما تأتي النتائج عكس المتوقع أو المؤمّل، ولذلك تبقى المشكلات معلقة بين الرئيس والمرؤوس، وتفقد المنظمة موقعها التنافسي، وقد تنهار. ولا نجانب الحقيقة عندما نشبه ذلك بالتسويس الذي يصيب الأشجار العملاقة من الداخل دون ملاحظة أنها ستسقط بعد قليل.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

موسم النبي روبين في جنوب فلسطين بلدة ومقام النبي روبين عام 1935

حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان

الأولى   فنون حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان  2018-08-01 10:00:00 المصدر: موقع مؤسسة عبد المحسن القطان إياد شماسنة كاتب وشاعر من فلسطين  "أبعاد ذاتية" لمنال ديب في دار إسعاف النشاشيبي بالقدس حين تتعاقد الأمم من الباطن: أسئلة التنوير والنقد في معرض مؤسسة عبد المحسن القطان يستمر المعرض من 27 حزيران وحتى نهاية أيلول، في المبنى الرمادي الغامق على شكل مكعب، أعلى تلة في ضاحية الطيرة التي تتوسع نحو الريف، وتستمر رسالة المؤسسة في التنوير والمساهمة في تكوين وترسيخ ثقافة نقدية فلسطينية، ذاتية للبنية والمشروع السياسي، كما قال عبر الرحمن شبانة أحد القيمين على المعرض. عندما يرتبك المشروع السياسي، أو يغيب الضوء قليلاً عن الأفق الوطني، في ظل متغيرات قاهرة، تتراجع السلطة الحاكمة، تتخلى، أو يتم إجبارها على التخلي عن دورها الخدماتي، ويقتصر على التشريع والدفاع إن وجد، لصالح القطاع الخاص، أو بمشاركة ولو محدودة للقطاع الأهلي. في تلك التحولات؛ تتقدم الثقافة، ناقدة، تنويرية، مثيرة للأسئلة، باحثة عن ال...

رحلة ايفا شتال الى فلسطين عبر مخيم تل الزعتر

" حدود المنفى " (رحلة إيڤا شتّال إلى فلسطين عبر مخيّم تلّ الزعتر) جوتنبرج 14.01.19 أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي لقد مر شهرٌ وأكثر منذ عودتنا من فلسطين، وما زلنا لم نستقر بعد. لا يتعلق الأمر بأننا لا نمتلك عائلة كبيرة (إنها لدينا)، والكثير من الأصدقاء (هم لدينا)، أو أن والدتي تبلغ من العمر (ما يقرب من 96 عامًا وتتمتع بصحة جيدة جدًا، ولكنها الآن سقطت وارتطم رأسها)، أو أنه لا توجد فرصة للحديث عن فلسطين؛ (نحن نفعل ذلك – فقد كتب نيستور(زوج إيڤا ح.ع.) نصًا ووضعه على الفيس بوك وكان هناك الكثير من التعليقات والمشاركات. لقد قدّمْتُ عرض باور بوينت متقدم وأنجزت الان حتى الآن 4 "لقاءات"، على سبيل المثال: اجتماعات مع الكثير من الأشخاص المهتمين) . لا، إنه شعور بأن الوقت يمر بسرعة كبيرة، ولا يمكننا العمل بشكل جيد بما يكفي لوقف آلة القتل الإسرائيلية من أجل استمرار الاحتلال . نحن نشعر بالحزن! إنه نوع من الاكتئاب، العجز. هذه هي الحقيقة، على الرغم من أننا رأيناك قوياً للغاية، وتستمر في القول: "هذه هي حياتنا" "هذا هو الاحتلال" أو "هذه هي إسرائيل "...